تناسلت في الآونة الأخيرة عبر منابر إعلامية وطنية مختلفة أخبار متفرقة "أبطالها" أشخاص وجهات سلفية، تريد العودة بالمغرب الى العصور المتحجرة ، ولا نقول العصر الحجري ، لأن الإنسان البدائي كان على الأقل يبدع رسومات ونقوشا على الصخر ، أما ذوو العقول المتحجرة الذين يطلق عليهم مصطلح "سلفيين" فهم ضد أي تطور أو إبداع أو رقي بالإنسان في شتى ضروب الحياة.
و اليكم عينات من "الفتوحات " الأخيرة لمجاهدي آخر زمان:
أولا: إلقاء القبض بمدينة سلا على شخصين ينتميان الى "التيار السلفي الجهادي" أثناء محاولة تنفيذ حكم بإعدام بالأسلحة البيضاء على إحدى العرافات (و لا ندري كيف لم تعلم العرافة ، وهي التي تستشف المستقبل، بمحاولة إعدامها تلك).
ثانيا: أستاذ لمادة الفلسفة باقليم الرشيدية يتعرض لاعتداء جسدي علي أيدي مجموعة من "الأساتذة" ينتمون إلى تنظيمات إسلامية متطرفة ،بعد اتهامه بنشر الزندقة والإلحاد.
ثالثا: تعرض فتاة إلى الاعتداء في الرباط من طرف أشخاص "سلفيين" بدعوى عدم ارتدائها للباس محتشم...
ولا داعي لمزيد من الأخبار المماثلة . لأن الذي يهمنا في هذا الباب ليس سرد تلك الوقائع، و التي تشكل الجهالة الجهلاء قاسمها المشترك ، بقدر ما نريد أن ندق ناقوس الخطر على استفحال ظاهرة هاته "الفيروسات" في مجتمعنا المغربي المسالم المتفتح ، والتي قد تنذر ،إذا لم نجابهها باللقاحات الفكرية والسياسية المضادة، بانتشار عدواها في مساحات مجتمعية واسعة ، وإذ ذاك لن يغفر لنا أبناؤنا وأحفادنا أننا ساهمنا بتقاعسنا وصمتنا المتعدد الأوجه، في تنامي تيار ظلامي يحلم بدولة طالبانية أخرى . هذا التيار بدأ زحفه الأخطبوطي في صمت، عبر أفكار وترهات تحت غطاء الدين، والإسلام منها براء، واليوم نراه ينتقل إلى الفعل، عبر وقائع و أحداث متفرقة في ظاهرها،و متوحدة من دون شك عبر رؤوس الفتنة الداخلية والخارجية ، التي تحرك خيوطها عن بعد، والهدف بالذات هو إجهاض الدولة المؤسساتية التي شهدت نهضة جديدة منذ الخطاب الملكي ليوم تاسع مارس 2011 ، الذي أرسى بنيات ودعائم سياسية جديدة، وزكاها دستور 2011 الذي أسس لمشروع مجتمعي وسياسي وحزبي ، يقوم على الانفتاح والتعددية والحكامة الجيدة والفصل بين السلطات.
إن ما يشجع تلك النفوس التي بها مرض فكري، حتى لا نقول ذهني، على اقتراف حماقاتها المتطرفة في واضحة النهار، هو تلك الخطابات المشبوهة لبعض الجماعات المهيكلة التي اتخذت من أدبيات متأسلمة غطاء وستارا تدغدغ به مشاعر فئات من المجتمع ، استغلت أميتها وجهالتها و أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ، لتجعل منها حطبا يوقد نيران حقدها على النظام المؤسساتي للمملكة .
ونذكر في هذا السياق جماعة العدل والإحسان ، ولو أن هاته الأخيرة أصبحت تشتهر في المدة الأخيرة بفضائح المنتسبين إليها أكثر من اشتهارها بمحاضرات فقيهها ياسين- شافاه الله- و لا أدل على ذلك ما قام به "طلبة" من فصيل هذه الجماعة من تهجم على أستاذ للانتروبولوجيا أثناء الحصة الدراسية، بعد احتجاجه على محاولاتهم المراهقة لتحريض باقي الطلبة الحقيقيين على خوض إضراب دعوا اليه عنوة .
وقد نضيف هاته الواقعة الى سلسلة الأخبار "المتفرقة" أعلاه ، وفي واقع الأمر إنها ليست بأحداث معزولة متفرقة ، وإنما هي تشبه لعبة صور الفسيفساء التي تتطلب من الإنسان جهدا وذكاء في إعادة تجميع مختلف أجزائها. و هذا ما يتحتم بالذات على العقول المتنورة في هذا البلد أن تفعله، لأنه حينما تكتمل الصورة المجزأة لكل تلك الوقائع، ستتبدى لنا عندها اللوحة المقيتة التي رسمتها أنامل شيطانية، ويسهل بالتالي مواجهة هذا المشروع الجهنمي الذي يحاول التستر والتمظهر عبر أحداث فردية في ظاهرها، بينما هي تشكل تيارات وجماعات تتوحد في عدائها للحرية الفكرية والسياسية .
رشيد الانباري.