يتميز الحقل الديني في المغرب بخصوصيات ليست لغيره في بلدان أخرى وإن كان يشترك معها جميعا في وجود الحماية والضمانة الكبرى، والتي بدونها يهتز ويتزعزع ويصبح ألعوبة في يد الصغار، وإذا تحول إلى لعبة أصبح كالنار في يد الأحمق، يحرق بها نفسه وغيره دون أن يشعر. وبالتالي نقرر نتيجة هي أن الحقل الديني ينبغي أن يبقى بعيدا عن اللعبة السياسية وبعيدا عن الحركات حتى التي تزعم أنها حركات دعوية.فمنذ أن رجع أحمد الريسوني من ملجئه الاقتصادي بجدة وهو يثير النزعات الفتنوية بخصوص الحقل الديني لأنه اعتقد أن مقامه لدى شيوخ الدعوة الوهابية سيمنحه الأستاذية على علماء المالكية الذين ظلوا سادة العلم منذ زمن بعيد، منذ أن عاد دراس بن إسماعيل من رحلة العلم بالمدينة المنورة وبغداد وإلى اليوم، ولا يمكن فرض الأستاذية الوهابية على شيوخ علم نافحوا عنه في كل الدنيا. وربما يجهل الريسوني، المنتفخ دون علم يذكر، أن علماء المسلمين في بعض العصور قسموا العلم إلى إثنين لا ثالث لهما : عمل أهل فاس وعمل أهل المشرق. وإذا اختلفا رجحوا عمل أهل فاس على غيره من الاجتهادات. فكيف يمكن لمن هذا تاريخه أن يقبل أستاذية تلميذ صغير لشيوخ الوهابية على صغرهم جميعا؟ ولما وجد الريسوني نفسه خارج سياق التحكم في الحقل الديني، مع وجود ملحوظ لأتباع التوحيد والإصلاح في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وفي المجالس العلمية، أخذ يوزع الاتهامات هنا وهناك على العلماء بالمغرب. مرة واصفا إياهم بالعبيد ومرة قائلا إن الحقل الديني في المغرب يعيش الاستبداد.فمجرد أن تقول بأن الحقل الديني في المغرب يعيش الاستبداد تدخل نفسك في زمرة أجهل الجاهلين. لأن الحقل الديني هو الوحيد الذي استعصى تاريخيا على التطويع. وبقي العلماء وكل من يشتغل في الحقل الديني يتمتعون باستقلالية خاضعة للجماعة وليس للسلطة. لا يمكن الحديث عن الاستبداد داخل الحقل الديني. ففي تاريخ كانت جماعة الريسوني غير مدمجة في الحقل السياسي ورغم ذلك كان لها وجود في المجالس العلمية.لنبدأ حساب الخشيبات مع الريسوني. فالمساجد في المغرب تسيرها جمعيات تختارها جماعة المصلين. ورغم أن الإمام الراتب تؤدي راتبه الشهري وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فإنها لا تستطيع فرضه على جماعة المصلين، الذين يختارون من يقودهم في الصلاة وإذا رفضوا شخصا ليس لأحد الحق في وضعه في هذا المكان وهذا غير موجود في باقي القطاعات.كيف يمكن وصف قطاع أنه يعاني من الاستبداد وهو القطاع الذي لا يمكن أن يتدخل فيه أحد من القطاعات الأخرى. طبعا الوزارة تستعين بقطاعات أخرى تهتم بمعلومات حول الأشخاص وهو ما لا يريده الريسوني. فهل يعقل أن ننصب إماما يتقن العلم الشرعي وله تكوين متميز لكنه غير أخلاقي؟ إن ما يسعى إليه الريسوني هو الفوضى في الحقل الديني، لأن هذه الفوضى هي المدخل للتمكين لحركته كي تهيمن على هذا الحقل.