موحى الأطلسي
يظهر أن الفاشلين سياسيا واجتماعيا وحتى أخلاقيا، أصبح لهم مكان وزمان يتحدثون فيه عن أنفسهم في ظل الدستور الجديد. ورغم أن محمد الساسي يعتبر واحدا من أكبر هؤلاء المنهزمين في التاريخ السياسي المغربي فإنه لايكل ولايمل من أن يظهر في كل مرة بأنه تخطى الهزائم والإحباطات ليطل علينا من مدن صغيرة يجمع فيها بالكاد بعض توابعه وأتباعه ليسجل حضوره الخافت.
فخلال ندوة نظمها حزب يطلق على نفسه الإشتراكي الموحد يوم الجمعة الماضي بمدينة بن جرير، اطلق الساسي لسانه كثيرا وهو ينتقد الملكية في المغرب، ويحرض الناس للإنقلاب على كل ما تحقق في بلادنا ابان الربيع العربي الذي كنا سباقين لمواجهته كمغاربة ليقيننا بأنه لعبة مسخرة من دول مهيمنة كانت تجس نبض الأنظمة الهشة والضعيفة.
السيد الساسي قال بأن النظام المغربي عاد الى دستوره العرفي، والمستشارون الملكيون يحكمون بدل رئيس الحكومة، وأضاف محرضا بعض "توابعه" الذين كانوا حاضرين يحملقون في رجل شبيه بستالين عصره، أن على الإسلاميين والعلمانيين أن يتفقوا على "جبهة للإنتقال". وكان يقصد ان في المغرب علمانيين يتزعمهم الساسي طبعا واسلاميين يتزعمهم السلفيون والمنادون للجهاد في سبيل الله.
انظروا كيف يريد الساسي وهو رجل علم ياحسرة، و يرى التغيير في المغرب.
فهو يراه عبر نواة يجتمع فيها النقيض بالنقيض لتتحقق له الفوضى الخلاقة التي فشلت فيها الأنظمة الخارجية الكبرى المدعومة بالمال والإعلام.
الذين يعرفون السيد محمد الساسي يختصرون منجزاته الكبرى في أنه تقدم ثلاث مرات للإنتخابات البلدية بمسقط رأسه ومسقط رأس والده ووالدته وإخوته في يعقوب المنصور، لكنه كان دائما يحصل على أصوات اقل من عدد أفراد اسرته المترامية الأطراف بين أحياء "فم اللفعة" و"دوار الكرعة"، و"دوار الكورة" و"دوار الرجاء في الله"و "المحاريك" و"القواس".....
والمنجزات الأخرى التي حققها السيد الساسي أنه جرب حظه مرارا أن تكون له زوجة وأبناء، لكنه فشل وهو اليوم يطل على السبعينات من عمره، فهو لايعرف أن الحقد الدفين رغم اخفائه عن الناس فهو منكشف لاريب عند أول لقاء مع شريكة الحياة.
ولأن الساسي لم يعد له من مكان داخل المشهد السياسي المغربي بعد فشله هو بالدرجة الأولى، وفشل حزبه في كل المحطات الشعبية التي خاضها، فهو الآن يجرب حظه لأن يكون خطيبا في الناس يحرضهم على الملك والملكية الضامن الأول لحريته وحرية أقرانه.
الساسي قال إن المستشارين الملكيين يحكمون بدل بنكيران. طبعا لا يمكن لأحد أن ينوب عن بنكيران في التعبير عن وجهة نظره من محيط الملك. ورئيس الحكومة نفسه يقول ويقر أنه لا يوجد أحد في هذا المحيط يعتدي على صلاحياته. ولما يتحدث جزافا عن العفاريت فهو يقصد اللوبيات.
لكن الساسي يتصور ربما أنه يمكن أن يوجد حاكم دون أن يكون له مستشارين. والمستشارون هم يعملون إلى جانب الملك وفي إطار اختصاصات الملك الدينية والسياسية.
والمستشارون موجودون في كل مكان في الدنيا ولدى كل رئيس وملك وحتى فيما يسمى الملكيات البرلمانية ونموذجها بريطانيا فللملكة مستشارين. فالطعن في المستشارين هو محاولة للعودة إلى الحاكم الأسطوري الذي يقوم بنفسه بكل المهام. وهذا مستحيل. ولكن لا يمكن للساسي أن يضع نفسه موضع بنكيران ليحكم على دور المستشارين، وإذا تحركوا في القضايا السيادية فهي دستوريا من اختصاص الملك. أين هو الاعتداء على مجال الحكومة؟
فإذا كان السيد الساسي يحلم فهذا حقه، أما أن يكشف عن أحلامه فذاك شيء آخر، لأن قوله أن المستشارين الملكيين هيمنوا فعلى أي اساس يحتكم الساسي؟
السيد بنكيران مع احتراماتنا له كرئيس حكومة يقر من خلال شغله لمنصب رئيس الحكومة أنه غير قادر على جلب استثمارات للمغرب، وأن البلد تعيش ازمة والجميع يعرف هذا المعطى.
فهل من الطبيعي أن يترك جلالة الملك الأمور تسير الى الهاوية؟ وهل نترك السيد بنكيران أمام عينه البصيرة ويده القصيرة أن تغرق البلاد في الأزمات الإقتصادية، نحن نعرف أن التجرية القصيرة للسيد بنكيران في المسؤولية الحكومية لاتخول له الحنكة في العلاقات الدولية، لكي يغري كبار الدول الخليجية بأن تمنح للمغرب متنفسا ماليا واستثماريا يعفي البلاد من الغرق.
والسيد بنكيران يقر بذلك، لأن الدول التي راهنت على الربيع العربي كانت تريد كتلة حاكمة على مقاسها، لكن السيد بنكيران كان اذكى من أن تلعب به الأيادي الغادرة للسلطويات الخارجية التي ارادت الحكم بقبضة اسلامية على مقاسها.
والمثير للشفقة أن السيد الساسي بعد غزواته الفاشلة أصبح يعرض نفسه كخماس لدى رئيس الحكومة، عارضا فمه لمضغ الثوم مكانه. سبحان الله.
بل الغريب أن يصبح استاذ جامعي يلقن الطلبة اصول علم الإجتماع، عبارة عن بوق واسع، لشخص نكرة يدعى بوبكر الجامعي، فهذا الأخير اصبحت له "رومنت كونترول" لكي يحرك العديد من الأفواه المفتوحة، من أمثال الساسي المسكين.
ولم يقف الساسي عند حد العرض والطلب بل اصبح يتوسل للإسلاميين من أجل تكوين "جبهة"، رغم أن الساسي لايخفي عداءه ومقته للإسلاميين، وكان خلال ندوات وحملات انتخابية سابقة يعتبر "الإسلام أكبر كارثة حطت في المغرب"، فهل يتذكر السيد الساسي كلامه أم نذكره به.
بكلام الساسي عن الجبهة يذكرنا حقيقة بالجبهة التي على بالكم، فهو فعلا جبهة واشمن جبهة.