قبل أن يغادر المغرب ويتجه إلى قطر، بعد أن عاد من المملكة العربية السعودية التي استقر بها بضع سنوات، شرع أحمد الريسوني، رئيس حركة التوحيد والإصلاح السابق، في توزيع صكوك الاتهام على الدولة ومؤسساتها.
فبعد أن نشر مقالا في جريدة "المساء" تحت عنوان: "الدولة المتعجرفة ... إلى أين"، رفع الفقيه الريسوني من نبرته في حوار صحافي أجرته ذات اليومية اعتبر فيه أن الشأن الديني يسير بطريقة استبدادية، من دون أن يكشف عن مفاصل هذا الاستبداد أو أن يجد تبريرا له سوى الادعاء أن التعيين في المجلس العلمي الأعلى والمجالس العلمية المحلية يمر عبر التحريات التي تجريها مصالح الأمن الوطني و "الديستي"، وهي مسطرة عادية جدا يتطلبها حتى تأسيس جمعية أو حزب، لأن القانون يمنع أصحاب السوابق العدلية أو أصحاب الشبهة الفكرية أو الحمولة الإديولوجية التي تمتح من منابع التشيع أو عقيدة الإخوان المسلمين أو الذين يعملون في إطار مخطط محكم من أجل تقويض وحدة المذهب الذي يتبعه المغاربة، (يمنعهم) من اختراق المؤسسات " حتى لا تكون فتنة"...
ولا شك أن السيد الفقيه يعلم أن الخصوصية المغربية في الشأن الديني تقوم على أربع ضوابط منهجية هي العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي (ثقافة اجتماعية ونفسية) ، والتصوف (تربية على المحبة)، وإمارة المؤمنين (دعامة للأمن الروحي)، وبالتالي فإن مراعاة هذه الضوابط، في اختيار أعضاء المجالس العلمية، ليست استبدادا، إلا إذا كان أحمد الريسوني يبحث عن استبدالها بضوابط أخرى استقدمها معه خلال رحلاته الطويلة إلى المشرق، واحتكاكه الطويل بأئمة الفكر الوهابي وأئمة الفكر الشيعي، وكل التلوينات المذهبية والطائفية التي تمزق وحدة الكثير من تلك الدول.
وإذا كان المغرب يعتمد أسلوب الانتقاء في اختيار أعضاء هذه المجالس، فلأن دور هذه المجالس هو دعم الأمن الروحي، ولأن المغاربة يقولون في أمثالهم السارية "صفي واشرب".
وإذا كان السيد الفقيه يبحث عن موطئ قدم بالمجلس العلمي الأعلى فما عليه إلا أن يعلنها صراحة أمْ أنه يخشى أن يحول سجل سوابقه ( ولا شك أنها كثيرة وثقيلة) دونه وذلك؟
لم ينس رئيس حركة الإصلاح والتوحيد السابق، والتي هي بمثابة الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أن يوزع صكوك الغفران عن حكومة عبدالإله بنكيران، ويلقي المسؤولية كلها على مستشاري الملك، علما أن رئيس الحكومة حاول من قبله أن يبرر تعثراته بتدخل المحيط الملكي فيه قبل أن يعتذر عما صدر عنه، بعد أن أخفق في إقامة الحجة على ذلك، ونسى أنه هو نفسه سبق له أن صرح
أن الملك محمد السادس اتصل به هاتفيا، وحثه على ممارسة صلاحياته كرئيس للحكومة، والعمل على تنزيل الدستور، وتطبيق القانون، وأن لا يلتفت لأي تدخل لا يسير في هذا الاتجاه حتى ولو كان صادرا عن عضو في الديوان الملكي.
إن مهام مستشاري الملك واضحة جدا ومهام رئيس الحكومة حددها الدستور، وبالتالي فإنه لا تعارض بين الطرفين. قد يكون هناك تنافس في أداء المهام، وقد يكون مستشارو الملك أكثر حنكة وخبرة وتجربة من رئيس الحكومة ( وهذا أكيد)، لكن الفقيه الريسوني يعتبر التفوق تحريضا أو يريد أن يلبسه هذا اللبوس، حتى يُظهر عبدالإله بنكيران بمثابة الرجل المسكين، الذي يتلقى الضربات من كل جانب، وهذا مجرد افتراء بئيس.
والأكيد أن أحمد الريسوني آلمه أن يرى صديقه في حركة الإصلاح والتوحيد في وضع لا يُحسد عليه بعد أن فتحت له الاختيارات الديمقراطية التي أرساها المغرب الباب واسعا من أجل أن يتسلق مقاليد السلطة، ويقود دفة الحكومة من دون أن يعلم أحد إلى أين يسير بالمغرب قارب العدالة والتنمية الذي أنتجته صناديق الاقتراع، وكما يقول المثل " لي ولدو ليك الزمان ربيه".
رشيد الانباري