بقلم: رضا سلامة
الفارق الجوهرى بين الدول المتقدمة التي تنجح فى البناء التراكمي والتقدم المطرد بلوغاً للأهداف العليا والدول المتخلفة التي تمارس الركض في المكان أو ربما للخلف هو الاختلاف في طرق وكيفية صناعة القرار السياسي!!!
فعندما يتوجب على صاحب القرار في الدول المتقدمة أن يتخذ قراراً إزاء قضية أو ملف أو أزمة ما ، فإنه فى حقيقة الأمر لا يصنع القرار السياسي، وإنما يختار بين بدائل وسيناريوهات أعدتها أجهزة مؤسسية، تتبعها بشكل مباشر أو غير مباشر مراكز بحثية، تضم صفوة من الخبراء والأكاديميين والمسؤولين السابقين، يمتلكون من الكفاءة والخبرة ، ما يجعلهم قادرين على صياغة الأهداف العليا في رؤى وقرارات، وليس في فرقعة إعلامية أو نفاق للعوام عبر خطاب شعبوي يدغدغ المشاعر بدلا عن مخاطبة العقول.
لذلك دائما لا نشهد تحولات دراماتيكية في مسارات القرار السياسى في الدول المتقدمة، وإنما يكون التغير فقط فى الدرجة داخل السياق الاستراتيجى ذاته، لأن الأهداف الاستراتيجية للأمم المتقدمة لا تتغير كثيراً، كونها صناعة مؤسسات كفوؤة راسخة ومتطورة فى الوقت نفسه.
أما في مصر والعالم الثالث، فدوماً القرار السياسي صناعة فردية بامتياز، يملك أسرارها وفك طلاسمها الحاكم الفرد، وربما يستشير دائرة مغلقة من أهل الثقة أو المؤلفة جيوبهم، فلا غرو أن تأتي القرارات متصادمة ومتحولة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن الشرق إلى الغرب سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
إن مطلب الفريق الرئاسي فى مصر لم يكن غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة لإيجاد «مطبخ» استراتيجي مؤسسي، يزود الرئيس بكل الأسباب والمقدمات الصحيحة، التى تهيئ له اختيار وإصدار قرار سياسي، وفق أسس علمية تحقيقاً للمصالح العليا للوطن المرجوة من إصداره.
الفريق الرئاسي المصري كان مأمولاً أن يضم عدداً محدوداً من الأفراد في قمته، موصول بقاعدة أوسع من المراكز والجماعات البحثية، تشتمل على خبراء ومسؤولين سابقين وأكاديميين، يمتلكون الكفاءة والخبرة والمهنية بصرف النظر عن الانتماءات السياسية والحزبية، لكن فكرة الفريق الرئاسي تحولت من الجد إلى الهزل، فتبدل الهدف من إنشاء «مطبخ» مؤسسي علمي إلى «ديكور» لحكم الفرد أو الجماعة المنغلقة، وبدلاً عن الكفاءة معياراً للاختيار، اعتمدت المصالح السياسية معياراً، فضم الفريق كثرة من المؤيدين تسديداً لفواتير انتخابية، وأقلية من اتجاهات أخرى للإيحاء بـ«قومية وشمول» الفريق لكل ألوان الطيف السياسي، هذا من حيث التشكيل.
أما من حيث المضمون، فالفريق الرئاسي بدءاً من نائب الرئيس مروراً بالمساعدين وانتهاءً بالمستشارين، جاء منزوع الصلاحيات وبلا اختصاصات واضحة أو محددة، وإنما يختصون بما يكلفهم به أو يستشيرهم فيه الرئيس، إنهم يعملون بـ«القطعة» أو «اليومية» ووفقاً للمزاج الرئاسي.
فمثلاً قرارات الرئيس بزيادة «بدل الجامعة»، وضخ700 مليون جنيه للنقابات الطبية، وزيادة أسعار توريد الأرز والقطن، كيف أصدرها الرئيس؟ ومن شارك في صنعها من الفريق ومن خارجه؟ ولأي دراسات استندت؟؟!
وأيضا: وفق أي حسابات وبناءً على أي استشارات أصدر الرئيس قرارعودة البرلمان؟
ومثال أخير.. طرح الرئيس المبادرة الرباعية بشأن سوريا: فهل أعدت دراسات عن المقابل الذي يمكن تقديمه لإيران لتحييدها؟ وما انعكاس ذلك على الداخل المصري؟ وما موقف السلفيين والتيار الإسلامي تجاه الأمر؟؟!
مصر لن تتقدم أبداً: إذ ظلت تصنع قرارها السياسي بناءً على «حكمة» و«توجيهات» سيادة فخامة الرئيس، أو توافقات «دائرة مغلقة»، ولكنها ستنهض بصناعة قرارها بشكل مؤسسي علمي قائم على الكفاءة والمهنية.
قامت ثورة 25 يناير بسبب سلسلة من القرارات السياسية الخاطئة، أصدرها الحاكم الفرد «علي بابا» الشهير بـ«حسني مبارك»!!، وعاونه في صناعتها في أواخر أيامه غلمان لجنة السياسات الـ40حرامي.. فلا تنسوا الدرس!!
رئيس تحرير صحيفة «الجيل»