كل ما مر يوم من عمر الحكومة المُقدّر لها على هذه البلاد، إلا كشف أحد أعضائها، تحت ضغط الإخلال بالوعود والالتزامات، وانعدام الحيلة، وضيق ذات اليد، وهروب الوقت، عن طويته، في لحظة نرفزة، بعد أن تحاصره الأسئلة في برنامج تلفزي، أو صرخات المحتجين في ندوة داخل قاعة بفندق أو بمقر وزارة أو الشارع العام.
هذا ما حدث للوزيرة "الهادئة" بسيمة الحقاوي، إحدى أكبر المناضلات ضد الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي وضعتها حكومة عبدالرحمان اليوسفي في بداية الألفية الثالثة، والتي تشغل اليوم ـ ويا لسخرية الأقدارـ ذات الحقيبة ( وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة) التي أنتجت تلك الخطة.
بسيمة، لم تجد ما تفك به الحصار أو الشراك الذي وقعت فيه، إلا بتصريح بدر عنها في لحظة غضب، حينما خاطبت أحد المشاركين في البرنامج المنقول على الهواء مباشرة، بكل ما تملك من حمولة إديولوجية، بأنه غير متدين أو بعيد عن الدين، فاضحة بذلك ما يدور بطويتها، بالرغم من أنها لم تطلع على سريرته، لأن الله سبحانه وتعالي هو من يتولى السرائر، وليست السيدة الوزيرة المحترمة.
المرأة الوحيدة في الحكومة، التي تعارض تقنين الإجهاض، وترفض منع تزويج المُغتصِب من المُغتصَبة، وتتهمها الجمعيات النسائية بكبح عجلة "المناصفة"، خرجت عن جادة الصواب، ورسمت الخط الفاصل، الذي لم يتجرأ أحد من قبل من وزراء العدالة والتنمية على رسمه وهو خط التدين، وجعلت المتدينين في شط وغير المتدينين في الشط المقابل، من دون أن تعتمد على سند شرعي يتيح لها ممارسة الفتوى أو الحكم عما في قلب رجل.
وإذا كان بنكيران قد أشهر ورقة العفاريت والتماسيح والثعابين، ورباح قد أشهر ورقة "لاكريمات"، ولم يشهر بعد ورقة المقالع التي لوّح بها، والشوباني قد أشهر ورقة المهرجانات، والخلفي دفاتر تحملات الإعلام العمومي، وبوليف ورقة "هذه البلاد... التي لم تعرفوها"، فإن المرأة الوحيدة في الحكومة قد تطاولت على حقل يدخل في باب العلاقة بين الخالق والمخلوق، هو باب التدين، وهو مجال خص به الله نفسه، لأنه وحده سبحانه وتعالى يعلم ما يدور بالصدور.
رشيد الانباري