دول الخليج، وهي تستقبل جلالة الملك في زيارة عمل رسمية تقوده إلى السعودية وقطر والإمارات والكويت، تبدو واثقة من صلابة العملية السياسية في المغرب ومن متانة استقرار الأوضاع في بلد خرج بفضل إصلاحاته السياسية والإقتصادية من منطقة الزوابع التي أدخلت أكثر من بلد عربي في متاهة البحث عن الأمن والدولة، قبل الخبز والماء.
ليس سهلا أن يغامر المستثمر، دولة كان أو شركة، بالمساهمة في برامج لتمويل التنمية تصل قيمتها إلى خمسة ملايير دولار أمريكي خلال الفترة 2012 – 2016، إن ذلك يحتاج لقرار سياسي يحصي أنفاس المخاطر والفرص، قبل أن يحتسب العائدات والأرباح، وفي الحالة المغربية، يبدو أن خلاصة الاستثمار الخليجي، تنتهي إلى إدراج البلد في دوائر الأمان الاقتصادي والسياسي.
وفي الواقع لا يخفي الخليجيون إعجابهم بالعقل السياسي المغربي، وقدرته على حل الإشكالات الأكثر استعصاء وحساسية، لقد ظل العرب دائما ممزقين بين رغبتهم في أن يسايروا العصر وإيقاع الدمقرطة والكونية الحقوقية، وبين سعيهم إلى الحفاظ على القيم التقليدية المحافظة المدعومة بفكرة الخصوصية الهوياتية، لكن الظاهر اليوم، هو أن التجربة المغربية، قدمت نموذجا للقدرة على التوفيق بين حدي معادلة ظلت تحتاج للكثير من الجرأة والمجازفة السياسية.
عبر تجربة إمارة المؤمنين حل المغرب إشكال التعددية أو الوحدة المذهبية والعلاقة بين الدين والسياسة، كما توفق في الجمع بين القيم الكونية والخصوصية الثقافية حين يتعلق الأمر بقضايا المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام، ومن دون شك ساعدته محاولاته الطويلة مع الإصلاح، في أن يكتسب القدرة على والثقة في الانتقال من وحدة السلطة كما هي في المرجعية الإسلامية إلى فصل السلط المعتمد في الحداثة الديمقراطية…
لم تكن هذه العمليات مجرد تمرينات في الثقافة السياسية، بل يظهر اليوم أنها بمثابة احتياطي استراتيجي سياسي أمني، سهل على المغرب التجاوب بليونة وسلاسة مع المستجدات الإقليمية، فيما تسعفه الآن، سنوات الإصلاح الإقتصادي والتخطيط للأوراش الكبرى في أن يقدم للخليجيين، وصفة ضمان تجمع بين فتح شهية الاستثمار وتبديد المخاوف من الأخطار.