لم يطلب المغرب قط الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، بل إنه فوجئ، بإدراج هذه النقطة على جدول أعمال المجلس في ربيع 2011، وأبدى تحفظه على ذلك لأسباب موضوعية، في رفض مبطن لهذه الدعوة، التي اتفق الطرفان على تقليصها إلى شراكة استراتيجية.
وحين أشهر مجلس التعاون الخليجي هذه الدعوة أو العرض لم يكن المغرب بحاجة إلى مساعدة أحد، لأنه عرف كيف يحوّل لحظة الحراك العربي إلى ربيع بالفعل أزهرت وروده وأشجاره في خطاب تاريخي بـ 9 مارس 2011، وبالتالي لم يكن هناك من مصوغ لكي يبحث عن حلفاء يحتمي بهم أو يتضامن معهم بعدما اختار الملك أن يتحالف مع الشعب من أجل إنجاز الإصلاحات التي نضجت على نار هادئة منذ أن تولى العرش في صيف 1999.
لقد شكل المغرب النموذج الذي يُحتدى به بالنسبة ليس فقط لباقي الملكيات العربية، ورأت في الحكمة التي تعاملت بها المملكة مع "الربيع العربي" قدوة رغم تدعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، فاقترحت أن ينظم المغرب إلى نادي الخليج، غير أنه فضل الرفض بأدب، واقترح الشراكة الاستراتيجية علما أن هناك وضعا متقدما يربطه بالاتحاد الاوروبي.
إن الحضور الاقتصادي لدول الخليج بالمغرب ليس مرتبطا بالحراك العربي، فقد شكل المغرب وجهة مفضلة للاستثمارات الكويتية ( الصندوق الكويتي للاستثمار) والإماراتية، التي بلغت أوجها على عهد المرحوم الشيخ زايد بن سلطان أل نهيان، كما أن المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر لم يترددوا في اختيار المغرب الأقصى لاستثمار أموالهم لعدة اعتبارات، في مقدمتها ما يقدمه من فرص الاستثمار المتعددة وفي كافة المجالات، ولمناخ الاستقرار السياسي، الذي ظل دائما ينعم به، ولقربه الجغرافي من أوروبا وأمريكا، وكذا لمواقفه الواضحة من كافة القضايا العربية، ودوره الدائم في البحث عن حل للقضية الفلسطينية.
وحين أعلن بلاغ للديوان الملكي أن الملك محمد السادس سيقوم ابتداء من الثلاثاء ب "زيارات عمل رسمية" تنقله إلى كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت ثم الأردن، فإنه أوضح المغزى من هذه الجولة الخليجية وهي "مساهمة في برامج تمويل، على شكل هبات، لمشاريع التنمية بالمغرب في إطار الشراكة الاستراتيجية المبرمة بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي"، وهي هبات تصل إلى مليار دولار أمريكي سنويا، خلال الفترة ما بين 2012 و2016، بمجموع يصل إلى 5 ملايير دولار.
وسيرافق الملك خلال هذه الجولة وفد ليقدّم مشاريع مختارة في ضوء الأولويّات الوطنيّة.
لقد حسم البلاغ الأمر، وأزال كل التباس، ووضع حدا لما يروّج له بعض ذوي النيات السيئة. لقد اختار مجلس التعاون الخليجي المغرب، لأنه نموذج مغري ويستحق الدعم، ولأنه نموذج يتجدد باستمرار، وقابل لخلق المفاجأت، وصنع المعجزات.
الزيارة الملكية لهذه الدول هي بمثابة تفعيل لشراكة قائمة، علما أن أغلب ملوك وأمراء وشيوخ هذه الدول سبق أن قاموا بزيارات متعددة للمغرب ( رسمية وخاصة).
الزيارة الملكية لا تأتي من أجل فك أزمة اقتصادية خانقة، وإنما لأجل إعطاء الانطلاقة لمسلسل من الشراكة الاقتصادية لا أقل ولا أكثر، لم يسعى إليها المغرب بل هي التي سعت إليه... هذه هي الحقيقة "وكفى الله المؤمنين شر القتال".