|
|
|
|
|
أضيف في 14 أكتوبر 2012 الساعة 44 : 22
محمادي المغراوي
أصبح في حكم العادة أنه كلما أراد واحد من الذين يُطْلَق عليهم لقب "الخبراء" و"المحللين" و"الباحثين"، الحديث عن هذا البلد العزيز إلاّ ويبدأ بصبِّ جامّ غضبه، حتى لا نقول حقده الدفين، وعلى من ؟ على بلدهم الذي وُلِدوا وترعرعوا وشبُّوا ودرسوا فيه.. واستفادوا من هنا وهناك، ضاربين عرض الحائط بكل الخير الذي أسداه ويسديه الوطن لجميع أبنائه ، بدون مَنٍّ ولا امتنان. للأسف، توجد بيننا هذه النماذج التي تسمح لنفسها بتوزيع الدروس يمينا وشمالا، في عملية استعراض عضلات مشبوهة، وفي نفس الوقت تريد أن تنصِّب نفسها "بَزَّز" في مقام الباحثين والمحللين الذين لا يُشَقُّ لهم غبار. من هذا الصنف دكتورة ، باحثة ، وخبيرة ... تُدْعَى هند عروب التي يحلو لها أن تعلّق كل المشاكل في هذا الوطن على مشجب الدولة، حيث تحدثت بإسهاب في حوار أجراه معها موقع "هسبريس" الإلكتروني، وهو ما دفعنا إلى إبداء بعض الملاحظات، و بالتالي كشف مزاعم الدكتورة التي تريد فرض أفكارها على الآخرين .. في رأي هند عروب ،"المغاربة لا زالوا رعايا، وكي يبلغوا مرتبة المواطنة هم بحاجة إلى مسار من الوعي التاريخي". تضع هنا هند نفسها موضع الطبيب الذي يحدد وصفة الدواء، وما على المريض سوى أن يأخذها ويقصد أقرب صيدلية ليشتري الدواء المطلوب، ولا يهم أن يُعافَى المريض أم لا. وقد تظهر عليه أعراض أخرى ربما تستدعي التوجه إلى طبيب آخر؛ بل إن هند، وهي تتحدث عن المغاربة وكأنها لا تعرفهم، بل تبدو في وَصْفَتِها الحاسمة وكأنها بلغت درجة عليا في مرتبة المواطنة التي لم يبلغها هؤلاء المغاربة، وتعطي الانطباع بأنها (هند) "سوبر مواطثنة"، و"هُمْ" (أي المغاربة) "بحاجة إلى مسار من الوعي التاريخي". هكذا " قطعت هند الواد ونشفت رجلها" ؛ وبسرعة تأخذ الوصفة التحليلية للدكتورة منحى آخر بتحميلها "المسؤولية الكبرى" للنظام السياسي الذي يهدف ويرمي إلى أن " يبقى الإنسان المغربي رعية". تم تتخلص من هذا الوصف ، وتلجأ الدكتورة إلى الدستور وتنبش في مسألة إمارة المؤمنين لتُحَمِّلَها ، بالأساس، مسؤولية هذا الوضع إلى جانب الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ، قبل أن تعو د لتخص المخزن بنصيبه الوافر في المسؤولية. مثل هذه الشطحات لا يمكن أن تصدر إلاّ من شخص ينظر إلى الأمور بعين واحدة، فبالأحرى إذا كان هذا الشخص يحمل لقب دكتور وباحث ومحلّل. وبما أن الباحثة تفضل النظر إلى الأمور بعين واحدة ، فمن الطبيعي أن تكون رؤيتها ناقصة وغير سليمة. ربما تريد الباحثة أن تعطي الانطباع بأنها ثورية ، حداثية، تقدمية.. بدليل رفضها الكامل لحصول أدنى تقدم أو تطور في مسار هذا البلد، بل كل خطوة تتم من أجل الإصلاح أو التغيير إنما هي محاولة من المخزن ل"كسب الوقت ليخمن في حلول أخرى تجنبه رياح الانتفاضات العربية"؛ فالدستور الجديد "لم يكن تعاقديا" فقط لأن هناك طرف يرفضه بدعوى أنه كان ينبغي انتخاب لجنة تأسيسية تتداول في أمر الدستور. ولا ندري ماذا كانت الدكتورة ستقول لو لم يكن هذا الطرف الرافض وحصل إجماع على التعاقد. وبما أنها لم تستطع تقديم أيّ تحليل ، فقد وجدت الحل في القاعدة المنطقية المتواترة التي رددتها:" ما بُنِيَ على باطل ، فهو باطل" وأضافت إليها لفظة"أصلاً"، لتخلص إلى الحل السهل السريع بقولها إن "الاستشارة هي مسرحية أكثر منها استشارة فعلية". كلام غير موزون مُوَجَّه فقط للإثارة . يبدو أن المحللة الخبيرة لم تستوعب جيدا ما جرى ويجري فيما سمّته ب"الانتفاضات العربية" وتداعياتها في كل من تونس، وليبيا، ومصر، واليمن.. في انتظار ما ستؤول إليه الأمور في سوريا. هل تتابع المحللة، عن كثب، ما يجري ويدور في البلدان المذكورة التي هبّت عليها رياح الانتفاضات ، عِلْماً أن هذه البلدان ليس فيها مخزن، ولا إمارة المؤمنين، ولا حتى نظام ملكي لنٌحَمِّلَه أوزار ما لحق بشعوبها من ويلات ؟ لن نكون بحاجة، في هذا الصدد، إلى الحديث عن النظام البوليسي بقيادة بن علي في تونس، ولا النظام الفريد من نوعه في جماهيرية العقيد الطاغية القذافي، ولا النظام الفرعوني الذي كان يتربع على هرمه حسني مبارك، ولا النظام الطالح بزعامة العقيد صالح، أو النظام الطائفي البعثي لآل الأسد في سوريا.. بل لسنا في حاجة إلى الحديث عن النظام الجاثم فوق صدور الجزائريين، وتوضيح الواضحات من المفضحات، مع العلم أن جميع هذه الأنظمة، باستثناء ليبيا الجماهيرية، جرت فيها انتخابات تمّ التطبيل والتزمير لأجوائها الديموقراطية..؟ من المؤكد أن الباحثة الدكتورة هند تعاني من حَوَلٍ يحُولُ دون تمكنها من الرؤية الجيدة والواضحة للأشياء. ومن علاماته تأكيدها الصارم بأنه "كان من الممكن أن تحدث الأشياء كما في تونس ومصر"، أي لا بد من أن يسيل دم المغاربة كما حدث في هذين البلدين؛ ولتقل لنا المحللة: هل المنطق والمنهاج العلمي يقول بتكرار تجربة بلد ما في بلد آخر بنفس الأسلوب والشروط؟ الغريب أن الباحثة تُعِيب على النظام عدم أخْذ المبادرة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، وفي نفس الوقت تنتقد تحرّكه للشروع في الإصلاح، وكأنها تعمل بالمثل القائل "اطلع للشجرة تاكل الكرموس، انزل من قال لك اطلع ليها"، وتوجه انتقادها للإصلاحات الدستورية وللوقت الذي استغرقته، وللمنهجية الديموقراطية التي تم احترامها بتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على الأغلبية في الانتخابات التشريعية، لتكشف عن نواياها وانتظاراتها بالقول أنها تريد أحداثا شبيهة بما وقع في تونس ومصر. إنها لا تؤمن بالإصلاحات التي من المفروض أن تتطلب وقتا وصبرا؛ تريد إصلاحات على غرار الأكلات السريعة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ولا شك أن من يُقْبل على مثل هذه الأكلات يُصاب بالإسهال الحاد. والخطر حين يُصاب التحليل السوسيولوجي أو السياسي بحالة من حالات الإسهال العويصة، مما يتطلب علاجا لن يكون قصير المدى. ماذا كانت ستقول لنا الباحثة هند لو لم يتم احترام المنهجية الديموقراطية، ونُودِيَ على حزب "الأصالة والمعاصرة"، مثلا، ليقود الحكومة، ما دام أنه لم يعد من الممكن عودة الأحزاب الأخرى "المحروقة"..؟ أكيد أنها ستعلّق كل مصائب الكون على مشجب الدولة، وستستنجد بقاموس القدح، ولا أقول النقد، لتغرف منه جميع الأوصاف الجاهزة، وتشرع في ممارسة تحليلها القائم على الجلد والسلخ. هل من الضروري لكي تكون ناقدا أو محللا أو خبيرا، يُشار إليك بالبنان، أن "تتكرفس" على بلدك وعلى دولتك من دون أدنى شعور بالخجل ولا أقول بالذنب، وكأنّ من يسمع إلي هذا السَّيْل مما يسمّي بالتحليل النقدي، عفوا القدحي، يتخيل نفسه أمام أدغال يسود فيها قانون الغاب، وليس دولة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وحضارة من الحضارات العريقة في هذ ا العالم، وأنّ هؤلاء المغاربة الرعايا ــ وهي اللفظة المحبّبة لدى الباحثة هندــ ليسوا أحفاد الأمازيغ والعرب الأشاوس الذين تركوا بصماتهم الدّالَة على نبوغهم في مختلف المجالات، وعبر مختلف العصور والأحقاب؟ هل ينسى البعض أو يتناسى، تحت تأثير غضب وفوْرَة اللحظة، أن الدولة المغربية، التي يريد أو يسعى البعض للنيل من هيبتها، من الدول القليلة في العالم، وليس فقط في منطقة ما يسمّى ب"الربيع العربي"، التي ظلت قائمة وحافظت على استمرار وجودها منذ قرون وقرون .. بينما رأينا دول آخر ساعة، وأنظمة "الكوكوت مينوت" تتهاوى الواحدة تِلْوَ الأخرى؟ نعم، هناك من يُعاوِدُه الحنين لِما سُمِّيَ في وقت من الأوقات ب"الاختيار الثوري" الذي يهدف إلى إسقاط النظام الملكي، وإقامة نظام جمهوري على أنقاضه.. وتم السير على نهج هذا الاختيار، وكانت النتيجة ضياع عقود من الزمن، وليس بضعة شهور، وضياع عدد مهم من أبناء هذا الوطن. يبدو، اليوم، أن هناك طابورا، أو ما شابهه، يُلَمْلِمُ أطرافه وصفوفه من أجل إثارة الفتنة، ثم إشعال نارها، فالانقضاض على الوضع والسيطرة عليه، والدخول في غياهبٍ من التصفية والانتقام والاستئصال.. وتكفي قراءة الأحداث التي عرفها المغرب في السنتين الأخيرتين لتبين بوضوح المساعي الغير البريئة لبعض الجهات التي يحلو لها الصيد في الماء العكر. كفى من السهام السامة التي تُوَجّه لجسم الوطن. إنه المغرب الذي يسع للجميع، وهو المغرب العَصِيُّ على الانكسار.
|
|
3341 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|