يحلو لبعض الشباب تقمص دور الرقيب على تصرفات وسلوكيات شقيقاتهم في محيطهم الاجتماعي، بدعوى الحفاظ على العرض والشرف. بينما يستعصي عليهم ممارسة الدور نفسه خلال ممارستهم لطقوس حياتهم العاطفية مع رفيقاتهم. هم شباب تستبد بهم ازدواجية اللين والتشدد في علاقاتهم مع الأخت و”الصاحبة”. يشهرون اللاءات في وجه الشقيقة والقريبة. بينما يرفعون شعار “بدون حسيب ولا رقيب” في علاقاتهم المفتوحة مع الجنس الآخر.
يرتدي سروالا قصيرا. بينما صديقته، ترتدي فستانا صيفيا خفيفا، وتضع منشفة قطنية على شعرها المبتل. الوضع يبدو طبيعيا وهادئا. يأخذان مكانهما على أحد الكراسي الخشبية، لتناول وجبة الغذاء، في جو رومانسي، بالمكان الذي يحتضن طقسهما الحميمي الأسبوعي.
بين الفينة والأخرى، يتجولان بنشاط بالباحة الخارجية داخل الشاليه الصغير، ويتبادلان نظرات الإعجاب، وكلمات الحب الدافئة.
ينتقل العشيقان الصغيران، بخطوات وئيدة على أطراف الشاطئ، ليدلفا بعدها من جديد إلى داخل “الكابانو”، حيث يطلقا العنان لغرائزهما الدفينة. بعد ساعات، تنتهي فصول الموعد الغرامي، بالاتفاق على موعد جديد. في الطريق إلى البيت، يصادف الشاب شقيقته الصغرى برفقة صديقاتها، بأحد المقاهي القريبة للحديقة الرئيسية بمدينة الزهور، لينهرها بشدة أمام رفيقاتها،«واش مكتحشميش، أش كتديري هنا آلسايبة!»، ليفاجأ برد ناري من طرف أخته،«سير حسن ليك، قبل ما نشوهك ونشوها؟!».
الرأي والرأي الأخر!
على الرغم من محاولة البعض طرح الموضوع، باعتباره من الممارسات المسلم بها مجتمعيا، التي أصبحت تغزو كل بيت مغربي، إلا أن الرأي السائد يرجح أن طبيعة وشكل هذه السلوكيات، له علاقة بسيادة العقلية الذكورية داخل المجتمع. «خاصنا نعرفو راه المجتمع المغربي محافظ بطبيعته، ومثل هذه الممارسات تصطدم بواقع النسيج الأسري المغربي، الذي يجعل من الزوج، والأب والشقيق، أوصياء على الإناث داخل البيت»، يصرح أحد الشباب الذين طرحنا عليهم الموضوع. ثم يضيف بطريقة تبعث على التساؤل، «هاذ السؤال خاصك تطرحو بجرأة أكثر واقعية … وعموما الجواب الذي سيتكرر باستمرار هو: حيث أنا هو الراجل؟!».
أما الشيخ الستيني فواجه السؤال باستغراب شديد، مستشهدا في الوقت ذاته، بذكريات طيبة عن ماضي العلاقات الأسرية خلال مغرب ستينيات القرن الماضي، «أنا آولدي، كنتكلم على فترة الشباب ديالي .. كانت البنت والولد، كيحترمو الأسرة ديالهم احترام شديد .. هذاك الشي علاش المواقف المحرجة، كانت قليلة والمشاكل من هاذ القبيل نادرة الوقوع».
البعض الآخر، اختزل الظاهرة في خانة الممارسات الشخصية، «أعتقد أننا أمام مغرب جديد، ثقافته المجتمعية تميل نوعا ما إلى التحرر، شخصيا أعتبر مسألة الحديث حول تدخل الذكور في تفاصيل الحياة العاطفية لشقيقاتهم، مع إطلاق العنان لنزواتهم ورغباتهم مع رفيقاتهم، نوازل تصنف في إطار الحديث عن الحريات الشخصية والفردية، يقول فاضل.
على نقيض الرأي السابق، تتبنى إلهام، موقفا شخصيا، تعتبره “واضحا” اتجاه الظاهرة “المرضية” كما وصفتها ب«جوج وجوه» والتي يتقمصها بعض الشباب في الرقابة على سلوكيات أخواتهم، ودائرة أصدقائهن ومعارفهن، وفي الوقت نفسه، القبول بالوقوع في “المحظور” رفقة شريكاتهم، هي دليل على أننا نعيش في مجتمع مريض ينخره النفاق الاجتماعي، ويعيش في الوقت نفسه، تخبطا بسبب فقدانه لهويته الحضارية».
مابين السلطوية و الاستباحة!
إذا كان تقييد حرية إناث الأسرة من طرف الذكور، وممارسة حرياتهم الشخصية دون حسيب أو رقيب، يعتبر حسب البعض، تحكما سلطويا، تفرضه العقلية الذكورية التي تفرض نفسها بقوة داخل المجتمع، فالبعض الأخر يعللونه بطبيعة التكوين النفسي لدى المرأة والرجل، «يجب أن نستوعب حقيقة التكوين النفسي لدى الجنسين، حتى نفهم لماذا الأنثى في الغالب هي الحلقة الأضعف في العلاقات الاجتماعية؟!»، يقول عصام الذي يعرف نفسه كفاعل جمعوي، معتبرا أن العديد من الحوادث والوقائع تعكس هذا التوجه السلوكي السائد في المجتمع المغربي، «الرجل يجد نفسه مجبرا على تقمص الازدواجية في التعامل مع شقيقته وعشيقته أو شريكته … حنا صغار، وكنسمعو أن الولد ما عليه حكام، أما البنت اذا رخيت ليها الحبل، غاديا تجيب ليك الذل».
ويضيف أن طبيعة التعاطي مع الأنثى، كجسد يمكن أن يجلب العار، يجد تفسيره في النظرة الدونية الاعتبارية، التي تجعل من المرأة كائنا فاقد الأهلية، ينبغي فرض رقابة وحجر على تصرفاته وسلوكياته، «الأخ الذي يصادر حق أخته في العيش بكل حرية، سيصبح أبا يمارس نفس السلوك مع بناته، ومثل هذه الأمور تبقى طبيعية في مجتمع تغلب عليه الثقافة الشرقية في عاداته وسلوكياته وعلاقاته الاجتماعية»، يقول عصام.
محمد كريم كفال