زملاؤنا في جريدة الاتحاد وبعض إخواننا في حزب القوات الشعبية، غاضبون من هذه الجريدة، وناقمون على مدير نشرها، لا لشيء سوى لأننا نشرنا قصة ملف خالد عليوة على حلقات اعتمادا على تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومحاضر الشرطة القضائية ومصادر قريبة من مجريات التحقيق. ومع كل هذه المصادر، لم نسقط صفة «المتهم» على الوزير السابق في حكومة التناوب، فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته، لكن، في الوقت نفسه، عليوة شخصية عامة فقد كان رئيسا مديرا عاما للقرض العقاري والسياحي، ووزيرا مرتين، وكان مرشحا لعمادة أكبر مدينة في المغرب، وكان طموحه أن يقود الاتحاد الاشتراكي بعد اليوسفي، ولا يعقل صحافيا أن نمنع عن الرأي العام معرفة ما يوجد في هذا الملف الذي يقبع صاحبه في الزنزانة في انتظار محاكمته على تهم خفيفة وثقيلة، بعد أن قال المجلس الأعلى للحسابات كلمته...
الاتحاديون في الحزب والجريدة ظلوا على مسافة مرئية بينهم وبين هذا الملف لأكثر من سنتين، وذلك تجنبا للإحراج، وحتى لا يؤثروا على مسار المحاكمة، وكان هذا عين العقل، فعليوة مواطن كباقي المواطنين، ولا يجوز وضعه لا فوق القانون ولا تحت القانون، والحزب مؤسسة وطنية وليس ملحقة لمكاتب بعض المحامين الذين يريدون أن يجعلوا من رصيد الاتحاد الرمزي والسياسي ورقة ضغط على القضاء وعلى وزارة العدل لقضاء مآرب أخرى.
ماذا جرى حتى اكتشف بعض قادة الحزب أن رفيقهم «محتجز» و«مظلوم» و«يؤدي ضريبة سياسية» وهو المفكر والمثقف والمناضل العضوي في ملف غامض، وأنه ضحية للحكومة الملتحية التي تريد أن تلمع صورتها على ظهر خالد عليوة؟ ماذا جرى الآن لكي يخرج الحزب عن صمته الذي دام أكثر من سنتين عندما كان في الحكومة، وعمد الميداوي، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى نشر تقاريره عن تجاوزات عليوة في البناية الزرقاء التي تجر خلفها فضائح كثيرة منذ يوم تأسيسها...
ملف عليوة قديم وليس جديدا، والذي أثار عليه المتاعب هو اقتناؤه للشقتين «المنحوستين» بأثمنة بخسة... ومازلت أذكر أنني كنت أول من اتصل به وهو على كرسي CIH الوثير، وطلبت منه أن يتحدث وأن يعطي رأيه في ما نشره زميلنا محمد حفيظ، رفيق عليوة السابق، عن «فضيحة الشقتين» فوافق، ولما أرسلت إليه الصحافي لإجراء حوار ساخن يرد فيه على ما ألصق به من تهم، رفض الجواب عن الأسئلة التي حملها الصحافي، وفضل عليها كلاما عاما حول حصيلته في إدارة البنك، ثم لما رفضت نشر الحوار لأنه سيحمل شبهة الدفاع عن شخص بدون أدلة، رجع وترجاني أن أنشر الحوار لأنه مفيد لقرائنا! ثم جرى الاتفاق على أن يجيب عن سؤال واحد وبشكل عام بشأن حكاية «الشقة»، ثم يمر إلى موضوعات أخرى، وكذلك جرى.
زملاؤنا «الأشباح» في جريدة عبد الهادي خيرات يسبون هذا الصحافي المتواضع أكثر من مرة كل أسبوع، وأنا، كما هي عادتي، لا أرد على السباب والقذف وكلام آخر الليل، لكن يهمني أن أوضح للقارئ أننا لا نؤثر على القضاء بالضرورة عندما ننشر أخبار الملفات الكبرى التي تروج في المحاكم، خاصة عندما يكون أصل الملفات منشورا على العلن في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، ثم إننا أعطينا %40 من المادة المنشورة على حلقات في هذه الجريدة لخالد عليوة، من خلال نشر أجوبته عن أسئلة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، خاصة أن أحدا من المقربين ومن المحامين الذين يدافعون عن المتهم لم يقل إنه تعرض للتعذيب أو الضغط ليقول ما قاله في المحاضر...
زملاؤنا في الاتحاد يعطوننا الدروس في احترام استقلالية القضاء وأخلاقيات النشر، وهم الذين كانوا متخصصين في نشر محاضر الكوميسير ثابت وغير ثابت، وحكموا عليه بالإعدام قبل النطق بالحكم، ولماذا نذهب بعيدا إلى التسعينات.. حزب القوات الشعبية أصدر بيانا ضد كاتب هذه السطور وهو ماثل أمام القضاء في أكتوبر 2009، مازلت أحتفظ بهذا البيان الشهير، يدين فيه الجريدة وصاحبها على نشر كاريكاتير الأمير مولاي إسماعيل، والقضاء لم يقل كلمته بعد. أكثر من هذا، الملف حركه عبد الواحد الراضي، وزير العدل ورئيس النيابة العامة، ولم ينتظر التقدمي الكبير النطق بالحكم، فأصدر بيانا لحزبه هو وحزب الاستقلال والحركة والتجمع والاتحاد الدستوري... يدينوننا فيه قبل أن تقول المحكمة كلمتها في الملف عادلة كانت أم جائرة... للأسف، لا دروس لكم تعطونها لأحد، وكل ما نطلبه منكم هو بعض الرحمة والشفقة على رصيد الاتحاد، الذي يبدده بعض سماسرة النضال، خذوا العبرة من سلوك الحزب الاشتراكي الفرنسي عندما سقط ستراوس كان في شراك نفيساتو في نيويورك.
توفيق بوعشرين