|
|
|
|
|
أضيف في 11 أكتوبر 2012 الساعة 37 : 23
تدخل المسجد بعد أن تتوضأ و تضع حذاءك أمامك بعد أن تخفيه بكيس بلاستيكي لدواعي أمنية و إيكولوجية فالأيادي عند الانتهاء من صلاة الجمعة تكون متسلطة تسلطا لا إراديا على أحذية الغير، فالكيس البلاستيكي حصانة له من العبث به و العبث بالأنوف و حبذا لو كان الكيس أسود اللون حتى تتم الفائدة. تصلي ركعتين نافلة احتراما للمكان الذي دخلته و تربية على الإنضباط، إلى هنا المسألة طبيعية لكن المشكلة تبدأ بتوافد المصلين فرادى و زرافات فالمؤذن قد رفع الأذان و الإخوة المصلين الذين انتبهوا بعد غفلة إلى أن اليوم هو عيد المؤمنين إنه يوم الجمعة من الأيام المقدسة عند المسلمين. البعض منهم يدخل متأخرا رجلاه و يداه إلى المرفقين تفيض بمياه الوضوء و نظره مركز في اتجاه الصفوف الأولى ربما بحثا عن الأجر و الثواب أو بحثا عن الهواء العليل المنبعث من المروحيات المبثوثة بالداخل أكثر من أواخر الصفوف إنه امتياز الصفوف حسب الفهم الإنتهازي و الأناني .لا يكترث إلى المصلي الذي أمامه بل يتخطاه بفجاجة و قطرات وضوئه تنزل فوق رقبة الجالس المطمئن ،إنها سلطة الطبع و غريزة أللاعتدال المتوحشة،أليس من الأوْلَى له الجلوس في المكان الذي انتهى إليه بكل تواضع و احتشام؟ لكن معرفته بالدين و بآداب الصلاة وحرمة المسجد و مَن فيه قاصرة ،فمن الأدب عدم التعدي على حق الغير في أي وضعية و حال و عدم إزعاجه، لكن العكس هو مذهبه متمثل في تطرف أهوج و أنانية و قصور في فهم التصرف الأنسب و السلوك الأفضل. لا،إنه لا يسمع إلى كل ما له صلة بمراجعة في سلوكه و نهجه ،إنه ادعاء بالمعرفة إنه يعرف أكثر مما يجب ،فيتخطى الرقاب و يشوش على الآخرين و يضع الحذاء القبيح الشكل الكريه الرائحة و بلا كساء إمعانا في ترويضنا على منهجه في الأدب و طريقته في الإحترام و مدى فهمه المتطور للعبادة والحياة،فَهْم لم يأت به كبار المجتهدين من فطاحل الفقهاء و الأصول وعلماء التربية و كبار الفلاسفة و المفكرين. لا، إنه لا يعلم أن النظافة جزءا أصيلا من الثقافة الإسلامية و الذوق الرفيع، و العبادة كسلوك أولا و شعيرة ثانيا تبدأ من الداخل بتربية النفس على النظافة الخُلُقية و تربية الجسم على نظافة الملبس.فهو يأتي متأخرا ليس لسبب وجيه لكن لأنه ملتزم بمبدأ كل تأخيرة فيها خيرة حسب فهمه و هواه و مدى تطلعه. نعم ، إنه متأخر في كل مواعيده في فهمه في سلوكه ووصوله تأخيره يعوض عليه بالقفز نحو الأماكن الجيدة و الصفوف الأولى ،أليس هذا ما يفعله حتى خارج المسجد لا يتعلم لا يتأدب لا يحترم لا يجتهد و مع ذلك يكافح من أجل الوصول أولا رغم استيقاظه متأخرا، إنه لم يكلف فكره المجذوم حتى فهم تلك الحكمة و مغزاها العميق الذي صاغه ذلك الحكيم منذ زمن بعيد و ذهب ،قال الحكمة و انصرف مطمئنا متأكدا إلى أن هناك بشر يقرءون ما بين السطور و آخرون يتيهون بين الصفوف. يبدأ الخطيب خطبته فترى صاحبنا بعبث بكل ما تقع عليه أصابعه بدءا من ثيابه إلى أنفه مرورا بشعرات حاجبيه المقطبين ،عيناه تائهتين بين الحضور و ذهنه لا علاقة له بما يقوله الخطيب،و رجليه لا يعرفان الهدوء و لا السكينة مرة يجمعهما تحته و تارة أخرى يرسلهما أمامه ، إنها الأنانية حتى في التعامل مع المكان الذي من المفروض أن تنتفي فيه كل أسباب التنطع و الجهل و الحب المرضي للذات.ربما سببه الملل أو عدم الاستيعاب أو التكرار و الروتين كل هذا جائز ،و هذا ما يدعوه إلى الخروج من المسجد فكرا و روحا و وجدانا و الحضور جسدا. إنها الفأفأة والتمتمة والرتج بمعنى احتباس اللسان عن الكلام ،و احتجاز الناس للإستماع إلى الخطبة عبر إطالتها مع التكرار المملّ والإستطراد المخلّ كلها و غيرها من مثالب هذا الخطيب الذي مَلَّ صاحبنا و آخرون مثله من سماعها.ألم يسمع هذا الخطيب أن كثيرا من الكلام يُنسي بعضه بعضاً وخير الكلام ما قلّ ودلّ؟ وما يخرج من الداخل من كلمات يصل إلى الإحساس الصافي و الفكر المتقد ويكون مغناطيسا يجذب ،هنا لا يكفي التعلل بضيق وقت الخُطبة فالمشكل هو عطالة الإبداع، ألا يعرف هذا السيد أن التواصل مع الآخر يتطلب جهدا و توظيفا ذكيا لما تعلمه.لا يكفي أن تسرد أحاديث نبوية و آيات قرآنية بشكل مجحف في حقها و حق من يستمع إليها ،فالخُطبة فن و إبداع قبل أن تكون أي شيء آخر يخطر على البال .لا يكفي أن تكون حافظا لمجموعة بعينها من الكتب و المتون لتتصدى إلى مهمة خطيرة كالخطابة،إذ لابد من الموهبة فهناك الكثير ممن يعتلون المنابر لكن القلة من تجذب الإنتباه و تأخذ زمام المبادرة في قيادة المستمع إلى سلطة الكلمة. إن رحلة الخطيب بين الصّمت والصيّاح رحلة إبداع أو إسفاف فكل إناء ينضح بما فيه ،لا يكفي أن تصيح في الوجوه أو تلبس ثياب الحماسة و تتقدم بخطوات إلى المنبر يعلو وجهك التجهم تعبيرا على الوقار،ثم تبدأ في تلاوة بيان جاف أكثر منه خطبة تُوصِلُ بها المطلوب بأسلوب تبشر به لا أن تُنَفِّرَ بكلماته من هو في الأصل يجلس على أعصابه .نعم هناك البعض من الخطباء الذين تلمس في كلماتهم نبرة الإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم،يتميزون بالجهد العقلي الذي يبذلونه من أجل ترسيخ مبادئ التسامح و الإعتدال و سمو الروح الحقيقية لدين عُرِفَ عنه العدل في الكلمة و البساطة في الدعوة.هنالك في الطرف الآخر من يلج الباب المناقض لمبدأ بَشِّرُوا و لا تُنَفِرُّوا دَيِدَنُهُم الكلمة الصادمة و الفكر الحدِّي الذي لا يعرف للوسطية طريقا. خطبة الجمعة لابد من أن تشتمل على موعظة وحكمة وقراءة للحياة من جوانبها المتعددة بلا إطناب و لا تأتأة تشوش على عملية الإنتباه، فعندما يفشل الخطيب في التوصيل لا يجد المتلقي سوى طريق الهروب بفكره و إحساسه باعتماد الغفلة سياسة مثلى. إن النص المقدس، القرءان الكريم يشتمل على شعرية رفيعة واستعارات وصور جمالية رائعة لابد من توصيلها بفعالية و حرفية تُخرِجُ النص القرءاني من بين دفتي المصحف إلى أذن و عقل و روح المستمع سواء قراءة أو استشهادا به فما نراه هو جفاف في التوصيل و بالطبع المتلقي المستمع لا حيلة له. خطبة الجمعة لابد من أن تكون دعوة للإنسان المسلم بنبذ القتل والإحتراب و تعليمه كيف يرفض التطرف الفكري و السلوكي إلى نهج السلم والوئام،فدائما ما كان الإنحراف الفكري تمهيدا مميزا للإنحراف السلوكي المهدد للأمن العام والسلم الإجتماعي. إنها دعوة عاجلة إلى مراجعة و نقد للذات المسلمة عبر الإتصال الحقيقي بين الخطبة و الخطيب من جهة و بينهما و بين المتلقي و حاجاته الواقعية من جهة ثانية بالوقوف على مواضع الخلل في كل أطراف المعادلة للتقويم والمعالجة فما نشاهده اليوم من مظاهر عنف وتعصب أعمى و حروب على الهوية و الرأي يستدعي العودة إلى المنابع الصافية للتسامح المبني على النظرة الواعية للواقع و الناس و الإهتمام بنفسيتهم و حالتهم الاجتماعية و المعيشية . الخُطبَةُ الرفيعة حاجة و ضرورة ملحة للتثقيف و التفهيم و حصانة ضد حصان الفهم الركيك و الضعيف للدين و ضد الحرمان و العنف و ضد الكراهية و التنطع إنها جامعة للعلم و مؤسسة للتقوى إنها ضد الجهل و التجهيل إنها بداية جيدة لفهم أفضل للدين و ليست سبيلا للتضليل و الشحن المتطرف للافكار إنها دعوة لاعتبار المعنى السليم للتدين الحقيقي.
|
|
2789 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|