صريح، شجاع، جريء، من يستطيع إلقاء خطاب مثله؟ تكاد التعاليق على خطاب عبد الإلاه ابن كيران، رئيس الحكومة، في المنتدى الديمقراطي العالمي بستراسبورع لا تخرج عن متتاليات الإعجاب حد الانبهار بروح لغة العفاريت والتماسيح وقد دخلت العلاقات الدولية للمغرب من بوابة مجلس أوروبا.
وفي الواقع، هو خطاب “ابن كيراني” بامتياز، فيه حدة اللهجة وقدر معتبر من الإحساس بالمظلومية، فيه الوعيد وكذلك السخرية… إنها نفس تركيبة كيميائه الخطابية التي تجعله يبدو كما لو أنه يحشد أنصاره في دائرة انتخابية أو مؤتمر جهوي حزبي تماما مثلما كان يفعل طيلة الأسبوعين الماضيين.
ومع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيته الاندفاعية وميله الشديد نحو التلذذ بالخطابة، يبدو ابن كيران وكأنه يريد تقليد أفراد عائلته الإيديولوجية الدولية في الإيقاع الناري لتصريحات قادتها، من رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء التركي، إلى الرئيس المصري محمد مرسي، زعيم حزب الحرية والعدالة… إنه ببساطة يريد أن يصير عضوا في نادي “ألمع” الخطباء في منابر الصراخ الدولي.
وأكاد أجزم أن ابن كيران كان يتحدث في ستراسبورغ كزعيم إيديولوجي وقائد حزبي وليس كرجل دولة يتحمل مسؤولية رئاسة حكومة المملكة المغربية. غير أنه ينبغي أن نكون واضحين، منذ عقود والمغرب يقيس خطابه الديبلوماسي وعلاقاته الدولية بميزان دقيق، يعبر بدون مواربة عن الحزم والتضامن في القضايا الأخوية والإنسانية، لكنه يبحث عن شراكات اقتصادية، وعن دعم لقضاياه الحيوية، وهو لم يسع يوما وراء نجومية وبطولات لا تلائم حجمه ولا تخدم مصالحه.
وباختصار شديد، فإن نسج علاقات ديبلوماسية تعود بالنفع السياسي، وتجلب الاستثمار وتنوع أسواق التصدير… لا تنفع معها ترجمة دولية للغة التماسيح والعفاريت المحلية، كما أن الولع بدخول نادي كبار خطباء رؤساء الحكومات والدول لا يجب أن يكون على حساب المصالح الاستراتيجية للبلد.