هن ما بين 100 و300 امرأة تجمعن في الساحة الرئيسية في مدينة تمبكتو شمال مالي، كن يردن تنظيم مسيرة للتنديد بالمضايقات التي تطال حرياتهن بعد استيلاء جماعة أنصار الدين على السلطة في تلك الرقعة الترابية من البلد، لقد أصبحن ملزمات بارتداء الحجاب وإلا تعرضن للعقاب، “نحن متعبون. فرضوا علينا الحجاب وهم الآن يترصدوننا كقطاع الطرق إذا لم نلبسه “تقول إحدى المتظـاهرات لوكالة “رويترز”، لكن المتطرفين لم يسمحوا لهن بالتعبير عن الرفض، أطلقت أعيرة نارية في الهواء أجبرتهن على العودة من حيث أتين.
النساء في مالي يعشن الأسوأ منذ الإنقلاب على سلطة الدولة من طرف إسلاميين لديهم صلة بتنظيم القاعدة، لكن نساء أخريات في بلدان ما بعد “الربيع العربي” لسن أفضل حالا وإن لم يصل الأمر إلى إرغامهن على ارتداء الحجاب، في مصر التي ترزح تحت هيمنة الإخوان والسلفيين، يعيد الإسلاميون داخل لجنة وضع الدستور تكييف مكتسبات المرأة المصرية وفق مقولة “ما لا يخل بأحكام الشريعة”، وهي مقولة موغلة في العموميات المؤسسة للاستبداد باسم الدين، ومن يدري فقد يكون إعادة الاعتبار للشريعة في بلد الكنانة قد بدأ بتوجه الإخوان والسلفيين نحو تخفيض سن زواج المرأة إلى ما يقل عن الثمانية عشر سنة!!
وبعدما كانت المرأة التونسية تتمتع بوضع قانوني لامثيل له بين نساء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ها هي تعيش هذه الأيام في سجن كبير إسمه الخوف من حماقات سلفيين لا أحد يضبط ميلهم الجنوني نحو إعادة تشكيل كل شيء وفق فهم ظلامي للشريعة، وأما حزب النهضة الإسلامي الممسك بسلطة الدولة الضامنة للحقوق والحريات، فلا يفعل شيئا لوقف عنفهم الإيديولوجي تجاه المرأة التونسية، بل إن وزراء الحزب يسيرون نحو إعادة إنتاج الأسطوانة المصرية بشأن تأهيل وضعية المرأة بما لا يتعارض وأحكام الشريعة تبدو نساء المغرب استثناء وسط هذا المد الطافح بالتراجعات، وقد يكون ذلك بفعل وجود نظام ملكي يمارس سلطات الضمان والتحكيم، ووجود نسيج حزبي وجمعوي نشط فيما يتعلق بقضايا المرأة، لكن عدم وجود تراجعات يعوضه عدم وجود إمكانية لتحقيق مكتسبات ثورية جديدة، لقد جاء الدستور بنظام للمناصفة والمساواة بين الجنسين، لكن عجلة القوانين التنظيمية والتشريعية يضع لها الإسلاميون منذ الآن كوابح قوية حتى لاتدور أكثر من اللازم، وخلال الأسبوعين الماضيين أجمع رئيس الحكومة ووزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن والقطاع النسائي لحزب العدالة والتنمية على أن وضع مقتضيات الدستور الخاصة بالنساء سيكون في إطار المرجعية الإسلامية.
ما يبدأ في تونس ومصر بقيود قانونية وينتهي في مالي بلغة العنف ولعلعة الرصاص، وتتوقف عنده في المغرب حركة المكتسبات الثورية، سنعيش الكثير منه في بلدان الربيع الأصولي، إنها لمفارقة حقا، فالمرأة التي كانت في صدارة المنقلبين على الاستبداد في تونس مصر…، والمطالبين بالإصلاحات في المغرب، هي اليوم من أكبر ضحايا الانقلابات الإخوانية على مكتسبات تطلبت سنينا من الدماء والسجون.