يمكننا القول بلا أدنى تحفظ بأننا بلد تحكمه قوانين و مواثيق و تقاليد تليدة و ليست بليدة ، فالمغرب بلد مسلم يحترم حرية الإنسان و حقه في الحياة و كأي بلد في العالم يطمح إلى تمتيع أبنائه بلحظة حرية و نسمة كرامة و يكافح من اجل أمنه المادي و الروحي و ليس تمييع نسيجه الأخلاقي و الثقافي.نعم هناك مطبات و هفوات و زلات لكن هناك إرهاصات عن ولادات جديدة متميزة في مجالات عدة و على مستويات متنوعة ،و هناك من يتخذ الهفوات مطيات من أجل تدخل يخدم مصالحه و استنتاجاته الاقتصادية و السياسية .
وغالبا ما تمتع المغرب عبر تاريخه الحافل بروح الإنفتاح على شعوب العالم و حاول التواصل معها و التلاقح الفكري و الحضاري و الجيني أيضا فعبر على خصال حميدة و أصول متجذرة في العطاء و قوة التحمل.و موقع المملكة المغربية الاستراتيجي و ثرواتها الطبيعية و البشرية دائما ما كانت مصدر إغراء لصيادي الكنوز و قراصنة الاستقرار،و عرفنا عبر تاريخنا أنواعا من التدخلات الأجنبية أكثر من أن تحصى و غالبا ما كانت هفواتنا و عدم تركيزنا معبرا لأولئك و غيرهم كل و إستراتيجيته و كل و تكتيكه في الدخول و التدخل.
في هذا الإطار فمؤسسة روبيرت كينيدي من أجل العدالة وحقوق الإنسان كان مجال تدخلها هو حقوق الإنسان إنه مدخل مناسب للضغط على المؤسسات الرسمية في المغرب من أجل إنجاح أجندتها المشبوهة في الصحراء المغربية وو كانت قد صرحت رئيستها روبرت كينيدي بالقول أن :"مهمة بعثتنا تهدف إلى تقييم وضع حقوق الإنسان من خلال الانتقال إلى عين المكان و لقاء النشطاء الحقوقيين و السلطات الحكومية و العائلات البسيطة التي فرقها هذا النزاع".إنه تعبير منمق يهدف إلى غاية مبطنة و أضافت : "نتمنى أن ننجح في تحريك الرأي العام حول هذه الوضعية و الدفع نحو تبني قرار توسيع مهمة بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان". ماذا نستنتج هنا ؟
إنها عملية صياغة لكلمات غير بريئة بل جزءا من غاية عميقة،و أحد من أضلاعها هو توسيع مهمة بعثة أممية اختصاصها الرئيسي يتحدد في مراقبة وقف إطلاق النار ، يمكن اعتبارهذا تدخلا سافرا في أحد محددات سيادة دولة على أراضيها و شعبها من مؤسسة تعنى بمدى احترام حقوق الإنسان .فعلا مجال الحقوق لازال المغرب يناضل من أجل استكمال بناء صرحه غير المثالي لكن هناك قوى و فواعل دولية تتبنى المنظومة الحقوقية كقيمة إنسانية غاية في الأهمية وذلك من اجل طموحات لا تمث لحقوق الإنسان بصلة.
طموحات تستجيب لمتغيرات الخارطة الدولية و هيمنة القوى الكبرى عبر استخدام آليات و طرق جديدة تخفي وراءها إضعاف و تفتيت البنية الإجتماعية و الثقافية لتحقيق مآربهم.في السياق نفسه ما معنى أن تؤطر منظمة "نساء على الأمواج" الهولندية زيارة عبر سفينة تصل و ترسو في المياه الدولية قبالة الشواطئ المغربية الشمالية،وتقول المجموعة الهولندية بأن غرض الزيارة تقديم إجهاضات طبية قانونية آمنة للنساء حتى ستة أشهر ونصف الشهر من الحمل. تقوم هذه المنظمة بهذا العمل في بلد تحكمه قوانين و أعراف و حضارته ضاربة في أعماق التاريخ و ليس بلدا يتسول على أبواب من هب و دب كيف ينظم حياته و علاقاته،إذ تعتبر ممارسة الإجهاض داخل المملكة غير قانونية ومن المحرمات ويمكن أن تعرض النساء لمخاطر صحية بالغة.
هذه الممارسة يحكمها قانون جنائي و شريعة و من الواضح أن تكون هناك استثناءات في القانون تبرر اللجوء إلى هذه الوسيلة درءا لمفسدة أكبر اعتناء بالمرأة و حفاظا على حياتها و كرامتها. عندما يتم إقحام غرض إنساني محض في عوالم المصالح الشخصية ليس دفاعا على قيمة الحق في حد ذاتها و إنما تفعيلها في ظروف حساسة و مضببة خدمة لتدخل استعماري و توسع استغلالي من أجل تأمين طرق التجارة والمواصلات العالمية عبر خلق بؤر من الإختلاف و التشرذم و هتك أعراض و إفشاء قيم و ثقافة فيروسية تعبث باستقرار قيمي رصين و أصيل.
و هذه ليست دعوة للتقوقع و الاكتفاء و الانكفاء لكن دعوة إلى تخليق الحياة العامة و إبراز مكامن الضعف من أجل الإصلاح و لما لا التغيير في ظل ثوابت و بوصلة حقيقية نابعة من القيم الحقيقية و المدافِعَة عن المبدأ الصواب.فهناك تستر الاستغلال و التدخل الأجنبي وراء شعار خدمة القيم الإنسانية والدور التاريخي في إرساء القيم الحضارية في المجتمع العالمي،و هنا يبرز التناقض السافر بين الدعوة المجانية للقيم الإنسانية و بين المظاهر العدوانية المتطرفة التي تنتج عنها كوارث اجتماعية و اقتصادية وبيئية نتيجة لفرضه قيم لا تخدم سوى مصالح هذا التدخل الاجنبي على المدى البعيد، كوارث تتجلى في تخلف اجتماعي وتبعية اقتصادية و تصل إلى كساح و جهل مطبق خاضع لنفوذ ومصالح الدول الكبرى ذات النفوذ والسيطرة.
من أجل تحقيق مبادئ السيادة و محاربة التدخل في شؤوننا وتحصين مقوماتنا بدا لي أن الوعي بالحق جيد لكن الأهم هو معرفة كيفية مزاولته بمنطق المشاركة مع الغير و ليس الإستئثار به، و التمسك بالحكم الديمقراطي و تفعيل آليات تجنيبه الحصار من محبي الغوص و اللعب في الماء العكر . وهذا القدر من الحرص والعزم لا يكون في غياب المشروعية الدينية والثقافية لمبادئ وآليات ضرورية في حماية مكتسبات كونية وحماية حقوق الإنسان لدي الكل بلا استثناء.وبدون إجازة أو إقرار بالحق في انتهاك المبادئ الدستورية وحقوق الإنسان باسم احترام الدين أو الثقافة أو الخصوصية وإنما يعني التوعية بقيمة هذه المبادئ والحقوق وتوافقها مع القيم الدينية والثقافية لمجتمعنا دون تدخل سافر يخدم الاستغلال بكل معانيه البشعة و من أي اتجاه و توجه كان ، فضرورة أن نكون ليس كما يريدوننا هم ولكن كما نستحق أن نكون متفاهمين في اتفاقنا و مسالمين في اختلافنا