"اكره كيف أصبحت اليوم محجبة من رأسي إلى أخمص قدمي، كما لو كنت في سجن!"، بهذه العبارات تختصر عائشة (15 عاما) المعاناة التي تعيشها في مدينة غاو منذ سيطر الإسلاميون على شمال مالي وفرضوا فيها تطبيقا صارما لأحكام الشريعة.
وتضيف خلال جلسة مع عدد من رفيقاتها في احد أحياء غاو، كبرى مدن شمال مالي، "اكره ذلك"، بينما تومئ بقية الفتيات اللواتي اجتمعن حول المنضدة الصغيرة برؤوسهن تأييدا لما تقول.
ومنذ نهاية مارس باتت منطقة شمال مالي الشاسعة برمتها تحت سيطرة ميليشيات إسلامية متشددة أبرزها "أنصار الدين" و"حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
وتؤكد الفتيات جميعن أن حياتهن تحولت إلى كابوس منذ سيطر الإسلاميون على مدينتهن وفرضوا فيها أحكام الشريعة بالقوة. ومن هذه الأحكام فرض ارتداء الحجاب على الفتيات والنساء، وهو حجاب كامل لا بد أن يغطي كل شيء باستثناء الوجه وان يكون فضفاضا.
وعلى غرار الرجال، بات ممنوعا على النساء التدخين وشرب الكحول وإقامة علاقات جنسية بدون زواج والاستماع للموسيقى الغربية.
وفي هذا تقول الفتيات انه باتت لديهن "قواعد حياة" جديدة، ومن يخالف هذه القواعد يكون عقابه شديدا، من الجلد إلى بتر احد أطرافه وصولا إلى الرجم حتى الموت.
وتقول ميمي والحجاب الأسود يخفي عينيها "نحن نرفض رفضا تاما تطبيق أحكام الشريعة، ولكن لا يمكننا قول ذلك علانية لان في هذا خطرا على سلامتنا".
وتضيف أن جارتها، وهي شابة مثلها، هجرت غاو "لأنها لم تعد تحتمل هذا الوضع. حتى حين تكون درجة الحرارة 45 درجة نحن مرغمات على ارتداء ملابس كما لو كنا في الشتاء. هذا لا يحتمل، لا يحتمل إطلاقا!".
من جهتها تقول فطومة إن فتيات غاو يرسلن إلى بعضهن رسائل نصية قصيرة لمواساة بعضهن البعض والحث على الصبر، وقد كتب في احدى هذه الرسائل "فلنصبر، ان شاء الله سينتهي كل هذا".
وتقول رسالة أخرى "يجب على إخواننا في الجنوب أن يأتوا لتحريرنا".
أما آمنة التي كانت قبل سبعة أشهر لا تزال تستطيع الذهاب إلى مصففة الشعر والعودة من عندها راضية مزهوة بتصفيفتها، فلم يعد بإمكانها فعل ذلك منذ فرض عليها الحجاب.
زينب من ناحيتها غاضبة إلى حد النقمة، فهي تهوى لعب كرة السلة ومنذ نحو ستة أشهر وهي محرومة من هذه الهواية، وتتساءل "كيف يمكن القبول بهذا في أي بلد؟ هؤلاء الإسلاميون متوحشون!".
أما تولا فتتذكر كيف كان بإمكانها حتى الأمس القريب الذهاب مع صديقاتها إلى نهر النيجر الذي يمر في أطراف المدينة، حيث كن يغسلن الملابس ومن ثم يسبحن في النهر. وتقول "كان أمرا رائعا، اليوم هؤلاء الهمجيون لا يسمحون بأي شيء. لا يريدون رؤية فتيات يسبحن".
وتضيف "لم نعد أحرارا. بكل بساطة. لا احد يمكنه في الوقت الحالي أن يأتي لتحريرنا. انأ لا أريد الشريعة. مالي بلد علماني ويجب ان يبقى كذلك".
وتقول فتاة أخرى طلبت عدم ذكر اسمها "لقد قلت لصديقاتي انه علينا في يوم ما أن نتحلى بالشجاعة ونمشي في الشارع من دون حجاب احتجاجا على كل ما يجري، ولكننا خفنا".
وتردف فتاة أخرى طلبت بدورها عدم ذكر اسمها أن "عدم مد يد المساعدة لشخص حياته في خطر هو أيضا جريمة"، وتضيف متسائلة "لكم من الوقت سيستمر كل هذا؟".
وغاو التي كانت حتى الماضي القريب إحدى المدن الأكثر حيوية في المنطقة بأسرها، بات سكانها اليوم يخشون التعبير عن غضبهم من واقعهم الحالي وهم لا يفرجون عما يختلج قلوبهم إلا في السر، وذلك خشية حمام دم في ظل سيطرة مسلحين يحتلون منطقتهم ومستعدين لفعل اي شيء للبقاء فيها.
وفي يونيو قتل شخص واحد على الأقل بالرصاص وأصيب حوالي عشرة آخرون بجروح خلال تظاهرة مناهضة للإسلاميين. وكان المتظاهرون يحتجون على اغتيال مسؤول في بلديتهم على أيدي مسلحين.
وتتهم منظمات حقوقية عدة الإسلاميين في شمال مالي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان بينها خصوصا الاغتصاب والاستغلال الجنسي لفتيات صغيرات وتجنيد أطفال.