لا خير يُرجى من جماعة، تدعي تشبثها بتعاليم الدين الكريم، لكنها اختارت أن لا تطيع أولي الأمر، كما ينص على ذلك كتاب الله المنزل من السماء، وفي نفس الوقت أن يخر أتباعها سجدا لمرشد العدل والإحسان الشيخ عبدالسلام ياسين.
ولم يحدث قط أن فرض الملك على أحد الركوع لغير الله، وحتى أولئك الذين سعوا إلى إلباس حفل الولاء لباس الركوع، وهو ، في الواقع، لا يتعدى انحناءة رأس، قد فشلوا في ذلك، لأن المغاربة يميزون جيدا بين الانحناء والركوع والسجود، وليسوا بحاجة إلى من يقيم لهم الفروق بينها، ماداموا يركعون ويسجدون لله وينحنون بإيماءة رأس من باب الاحترام لا من باب التقديس، الذي منحته كل الدساتير لشخص الملك، لكن الملك محمد السادس اختار استبداله بالاحترام الواجب للملك في دستور فاتح يوليوز 2011 .
ومهما حاول عبدالله الشيباني، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، وبعل كريمته نادية، أن ينفي طابع التقديس الذي تضفيه الجماعة على شيخها، فإن الواقع يكذب ذلك، وإلا ما معنى أن يتسابقوا على تقبيل أقدامه، ولثم يديه، كلما سنحت لهم الفرصة للاقتراب منه، وما معنى أن يسايروه في هواه بعد أن وعدهم بـ "القومة" التي لم تتحقق في سنة 2006 كما خُيل له، ومع ذلك استمر يجتر أحلامه، فتحالفت الجماعة مع حركة 20 فبراير، ليس لنصرة المستضعفين، كما شُبه لها، لجعلهم حطبا للثورة ( القومة)، و إراقة دمائهم في الشوارع، فلمّا فطن شباب الحركة العاقل لمخططها فر من قبضتها هاربا من الكماشة التي سعى ياسين وأتباعه أن يطوقوا بها رقبة 20 فبراير، التي بدأ يتضح، يوما بعد يوم، أن عددا من رؤوسها تغترف أفكارها من "آيات شيطانية" وتجهل مطلقا "المنهاج النبوي"، الذي زاغت عنه الجماعة نفسها التي لم يعد يهمها السير على هدى السلف الصالح بل على هدى أجندة حزب الله وحوزة قم.
وربما لهذا السبب بالذات ترى الجماعة أن الحكومة الملتحية ليس بمقدورها أن تنجز شيئا، لمجرد أنها ترفع شعار استقرار الملكية، وهو ما يعني أن العدل والإحسان تبحث عن الفتنه ( الفتنة نائمة لعن الله موقظها)، لأنه كما يقول المغاربة " الفكرون تيعيش غير في الخواض"، أما الاستقرار فإنه لا يخدم مصالحها، التي فشلت في تحقيقها طيلة عمرها الذي يبلغ حاليا 40 سنة.
ومنذ تلك الرسالة التي دشنت بها مشروعها الانقلابي الفاشل " الإسلام أو الطوفان"، علما أن الإسلام ليس بحاجة إلى الشيخ عبدالسلام ياسين وأمثاله، لأن لـ "البيت ربا يحميه"، ولأن هذا الدين الحنيف استمر طيلة 14 قرنا من دون أن تنال من أسسه الفرق والطوائف والملل مهما تفرقت بها السبل، وعلما أن الطوفان قد أتى على ما تبقى من جماعة العدل والإحسان، فخرجت خاوية الوفاض من هذا الحراك المغربي، ولم تربح شيئا، وذلك بسبب جمود أدوات التحليل السياسي للجماعة وقيادتها، لأنه لو كانت هذه الأدوات متحركة لفهمت الجماعة أن الكثير من المسارات قد تغيرت، لكنها، مع كامل الأسف، تصر على أن لا تتعامل مع الواقع بوعي ممكن، يقوم على حساب الربح والخسارة، بل بوعي شقي يسعى إلا قتل الأمل الوضاح، الذي آمن به كل الذين انخرطوا في التغيير، وهو أمر مفهوم لأنه لا يمكن أن يُبصر النور الأعمى.
رشيد الانباري