بقلم : تركي بني خالد
لا اعرف ما هو سلم الأولويات في بلاد العالم النامي، لكني متأكد من أن التربية والتعليم لا يلقيان الاهتمام الكافي في تخطيط السياسات التنموية في تلك البلاد. ويحدث ذلك رغم كل ما يقال من الخطابة الجميلة عن أهمية التربية والتعليم في حياة الأمم. ومع ذلك يجب الاعتراف بان هناك انجازات كثير قد تحققت بالفعل في الجانب الكمي على الأقل.
ها نحن نعايش العقد الثاني من الألفية الجديدة والتي كنا قد عقدنا العزم أن تكون مؤشرا على كثير من المكاسب في كل الأصعدة التنموية. لكن التحديات اكبر من طموحاتنا على ما يبدو. وما زال الواقع المعاش يفضح فشلنا وعجزنا في تحقيق ما تصبو إليه أجيالنا والأجيال القادمة من بعدنا.
انعطف بنا القرن الجديد، وتكاد مراكبنا أن تنقلب إلى منحدرات خطيرة حيث تواجهنا التحديات بكافة أشكالها. لكن الأمل معقود على قدرة النظام التربوي والتعليمي على التكيف مع المتغيرات الجديدة، والتصدي للمشكلات المتجددة بروح جديدة ومختلفة عن السيناريوهات التي اعتدنا عليها.
لا جدال في مقولة أن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان التي نتشدق بحرصنا عليها. لكن المتتبع للشأن التربوي في بلدان العالم الثالث يلحظ أن فكرة المساواة في التعليم لم تتحقق بعد. بل أن مبدأ تكافؤ الفرص في الحصول على التعليم لا يزال حلما يراود الملايين من أبناء شعوبنا المتطلعة إلى التقدم والحياة الكريمة.
لا زالت فئات اجتماعية محددة تسيطر على فرص التعليم وخاصة في مجال التعليم العالي، وما زالت هناك تخصصات محتكرة لصالح فئات متنفذة في المجتمع. وما زال الحرمان من فرص التعليم والعمل يهدد طموحات الملايين من أولادنا وبناتنا الذين يتوقون إلى غد أفضل.
ورغم ما تحقق من انجازات على الصعيد الكمي فقط، فان الشوط ما زال طويلا جدا لكي تتحقق فرص التعليم والتربية المتكافئة أمام أجيال المستقبل. فالفقر والجهل والبطالة والمرض آفات مستوطنة في العديد من بلدان العالم الثالث. وما زالت نوعية التعليم وجودته محط شكوك كثيرة وذلك لغياب الشفافية وانتشار الفساد الإداري والمالي في العديد من المؤسسات التعليمية.
مصداقية التعليم ما زالت في خطر، فالأجيال تتخرج لكنها تفتقر المهارات الأساسية الضرورية للنجاح والتميز في سوق العمل الذي أصبح عالميا بفعل العولمة. فلا تكفي الشهادات الكرتونية لمتطلبات المهن التي تعتمد على التنافس. وما زال التعليم الحكومي من الرداءة بمكان حيث لا يهرب إليه إلا سيء الحظ وعديم الحيلة.
إن عدم المساواة هو الصفة المميزة للتعليم في بلاد العالم الثالث، ففرص التعليم ومقاعد الجامعات، ومنح الإيفاد، تذهب إلى حفنة من متنفذي المال والسياسة للأسف. وتبقى الحسرة تلازم حياة الكثيرين من أبناء الأوطان الذين يكافحون من اجل لقمة العيش، فيصبح التعليم لهم ترفا بعيد المنال.
لا نعرف ولا يقول لنا احد كم من المال يصرف على مؤسسات التعليم في عالمنا الثالث، وخاصة في البوادي والأرياف والمخيمات. لكننا نشاهد الجسور المعلقة والعمارات البرجية والمولات تعج بالمتسوقين الباحثين عن الترفيه. ويتعرض الكثيرون للحرمان التعليمي بسبب جنسهم، أو مكان سكناهم، أو حظهم القليل!
الفقراء وذوي الدخل المحدود أو المنخفض أو عديمي الدخل هم الأكثر عرضة للحرمان والتمييز بسبب سياسات التنمية التي لا تولي هذه الفئات اهتماما يذكر. وإذا كانت الأمية بمعناها التقليدي قد تقلصت، فان الأمية الجديدة تنتشر على أشكال من الجهل والتطرف والعنف والتحيز حتى لدى المتعلمين من حملة الشهادات.
التربية وليس التعليم فقط هي مفتاح التحضر والطريق الموصل إلى التقدم. والتربية هي بناء القيم وتنمية الأخلاق واحترام الآخرين وممارسة الديمقراطية الحقيقية. التربية ليست كتبا مقررة أو امتحانات مقننة ممجوجة وإنما هي العدالة والاحترام والمشاركة في الحياة. والتربية هي الحصن المنيع ضد الفساد الذي بتنا نشكو منه ويهدد استقرارنا! أنا أرى إننا نجحنا في بعض التعليم الشكلي وفشلنا فشلا ذريعا في مجال التربية، فلم يعد لنا من التربية إلا اسمها، فليرحمنا الله!