|
|
|
|
|
أضيف في 20 شتنبر 2012 الساعة 56 : 21
محمد بن امحمد العلوي.
لقد أثار انتباهي مؤخرا حدثين على الساحة السياسية المغربية يمكن القول عنهما بارزين و مثيرين و يحملان إشارات لابد من قراءتها.الحدث الأول و بالترتيب الزمني حضور الأمير مولاي هشام بن عبد الله أمام محكمة بالدار البيضاء من أجل قضية كان قد رفعها ضد النائب البرلماني عبد الهادي خيرات ، إنها سابقة داخل المشهد البانورامي في مغرب علامات التعجب و الاستفهام. و لن أتناول في هذا المقال حيثيات القضية و الأهداف غير المعلنة من ورائها ،لكن سوف أركز على الحدث في ذاته باعتبار الموقع الإعتباري لرافع القضية الذي يحمل لقب أمير داخل النظام الملكي المغربي ،كذلك لمواقفه المعلنة في الإصلاح ومحاضراته التي يُنَظٌّر فيها لهذه المسألة . جاءت الدعوى القضائية لينقل الأمير ما هو نظري إلى المستوى العملي،فالحدث في عمقه هو أن التقاضي داخل المملكة لابد أن يتساوى فيه المسئول الكبير مع المواطن البسيط في البحث عن العدالة في الحقوق.هذا الحدث له إثارته من ناحية شخص المدعى و قيمة القضية التي أراد من خلالها رد الاعتبار، و من الناحية الأخرى فالمدعى عليه له شخصية لها اعتبار قانوني و سياسي بحكم عضويته في المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ذي الموقع العريق سياسيا و اجتماعيا ،و جريدة لها تاريخها وبما يحمله من صفة تمثيلية للشعب داخل البرلمان. الأمير يدافع عن مصالحه الإقتصادية و سمعته داخل المؤسسات الدولية ومن ثم لجأ إلى قضاء بلاده، و نقول بأن العدالة قيمة إنسانية تبقى دائما و لا تضيع ولابد من إرساء الأساس الدائم المتمثل في أن من حق كل أفراد المجتمع حكاماً ومحكومين الحفاظ على هذا الامتياز والدفاع عليه تحقيقا لقاعدة البقاء و التطور.هنا أيضا ضرورة الإلتزام بالقانون وتنفيذه والإحتكام إليه في جميع الظروف و الحالات بغض النظر عن جاه و سلطة و نفوذ المتقاضين وفئتهم،المهم هو الدفع بالجميع إلى احترام القانون دون تمييز. في نفس الاتجاه تحيلنا هذه القضية في شكلها و طبيعة موضوعها و المتنازعين فيها و من يمثلونهم إلى التأكيد على أن اللجوء للقضاء و التماس العدالة بين ثنايا أحكامه لهو المطلب الأكيد في ترسيخ قيم إنسانية واجتماعية وحقوقية تحتاج إليها هذه الأمة في هذا الظرف الدقيق وإعطاء الفرصة لحماية المجتمع المغربي من الانحلال والتفسخ أو فقده للبوصلة الأخلاقية و السياسية القمينة بجعله يتنفس هواء الحرية دون مساس بحريات الآخرين أو النيل من أعراضهم مهما كانت الخصومة . فالتماسك بين أفراد الشعب بكل فئاته راجع بالأساس إلى العدالة كقيمة و ذلك بترسيخ أركانها والحفاظ على مكتسباتها من أجل جعل كل أفراده متساوين في كل شيء وفي كل الأمور الحياتية.إذن القضية المرفوعة أمام القضاء المغربي فرصة للشعب بالدرجة الأولى لتقعيد أعراف و قواعد تؤطر مساره و تحكي نضاله من أجل حياة أفضل، وفرصة للقضاء من اجل إثبات الذات و تفعيل النصوص مهما كان الواقف أمامه .فرصة لمن حاول قول شيء أن يتسلح بالأدلة من اجل الدفاع عما يراه صوابا خدمة لهذا الشعب دون الزج به في أتون الفتنة .فرصة لمن تُسَوِلُ له نفسه أكل المال العام بأن يأخذ فترة من التفكير و إعادة الحساب قبل أن يُفتَحَ معه ملف الحساب . الحدث الثاني يتعلق برئيس الحكومة عبد الاله بن كيران ولن أتطرق هنا لمربع الصلاحيات التي خولها له دستور 2012 ،أو حربه الدانكشوتية على معاقل الفساد و لن ألتحم هنا مع المعارك الصغيرة و الكبيرة التي يخوضها بحكم الموقع و الخبرة . و لن أغوص في تحليل الوضعية الاقتصادية الحالية و الموروثة التي يحاول إيجاد الحلول لها ،كذلك لن أُعَرِّجَ على مكامن الضعف و القوة في خطاباته و تصريحاته أو ملاسناته و ملايناته ،زد على هذا أنني لن أناقش معه القوانين التنظيمية التي تُعَبِّدَ الأرضية لوضع الدستور على سكة التطبيق أما معدل الهشاشة و نسبة الفقر داخل المملكة فليس مجالنا هنا. بشارع جان جوريس بحي الليمون بالرباط، مساء تخرج جنازة من بيت عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة الذي كان ضمن موكب الجنازة التي لم تكن لأحد أقاربه،وإنما يتعلق الأمر بوفاة أحد أصدقائه القدامى .صديق عبد الاله بن كيران كان مقيما معه في بيته منذ سنوات ،صداقة متينة تجاوزت السياسة و المكانة لتلبس ثيابا إنسانية مثيرة، عبد الرزاق هو إسم هذا الصديق الذي كان خياطا في محل في حي العكاري الشعبي وكان يعاني من إعاقة لكنها لم تمنعه من ممارسة مهنته. اشتداد المرض على عبد الرزاق جعله عاجزا عن العمل وشبه مشلول فلم يعد هناك من مورد عيش له ولزوجته فطومة سوى بنكيران الذي تكفل بالأسرة حتى بعد انتقاله من حي العكاري إلى سكنه الجديد في حي الليمون ويمنحه غرفة هو زوجته ويتكفل السيد عبد الاله بمعيشته و علاجه حتى وفاته. إلى هنا المسألة واضحة و تصب في خانة فعل الخير و التركيز على خصلة الوفاء للأصدقاء و الإنتصار لقيم و شيم أصيلة لدى المغربي ، لكن لابد من ربط الحدث بسياقاته السياسية و الإجتماعية و لا ضير من هذا الأمر فالسياسة لاحدود لإمكانياتها فغايتها هو الظفر بالموقع و الدفاع عنه .رئيس الحكومة هنا يحاول دغدغة مشاعر المغاربة و إرسال مجموعة رسائل تتعلق بربط فعل الخير بمجال التدبير اليومي للشأن العام ،و تذكير المواطن المغربي بأن رئيس الحكومة كما كان وفيا لصداقته فمن المؤكد سيكون وفاءه لما وعد به منتخبيه . كذلك يحاول التذكير هنا بأن من واجباته ومسؤولياته كرئيس الحكومة أن يكون همه الأساسي محاولة صنع المجتمع الخيري في الزمن المغربي الجديد، و نتساءل مع رئيس الحكومة هل يا ترى تكون الأسبقية لفعل الخير على إرساء قيمة العدالة داخل مجتمعنا ؟ شيء جيد تقدير الإنسان والدفاع عنه و محاولة تحسين أوضاعه لكن لترسيخ هذا المجهود الخيري لابد من تدعيمه بقيمة العدالة واحترام أبعادها المختلفة ، لأنها الغاية التي يصبو إليها كل مجهود بشري مرتبط ارتباطا وثيقا بالخير العام. الحدثين إذن لهما ارتباط عضوي من ناحية الموضوع المتمثل في قيمة العدالة إذ أن القضية المرفوعة أمام القضاء باعتباره المدافع الأول عنها ترمي إلى الإنصاف ، والجنازة التي حضرها و هيأ لها رئيس الحكومة بتفعيله لقيمة الخير كوجه أساسي و مهم في ترسيخ مفهوم العدالة . من الممكن أحيانا أن نتعامل مع نقص في العدالة بنسب متفاوتة على مستوى التفضيل والمحاباة لكن أن تصبح العدالة متبلدة أمام مظاهر بعينها و أشخاصا بعينهم فهذا تكريس للظلم و توسيع مجال النفعية والمصالح الشخصية المطلقة المتعارضة مع العدالة مفهوما وممارسة وتجعلها فارغة من محتواها لتضرب بعمق مصالح الآخرين والدولة. وعطفا على السابق فالظرف الذي تمر منه المنطقة و المجتمع لا يمكن أن يعطي لأي كان و مهما كانت وضعيته أن يستغل المجال المختص بالعدالة من أجل ربح النقاط على خصمه و استغلال الأرضية الهشة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا داخل الدولة لتمرير إشارات مبطنة تهدف خلط الأوراق أو تصفية حسابات أو ابتزاز مواقف ، فهذا غير مقبول البتة لأنه لن يعمل على ربط الخير العام مع العدالة المنشودة بل العكس هو الذي سيقع إذ سيعمل على خلق جو من التوتر وعدم الإنضباط كما تعيشه العديد من المجتمعات.اليوم فاحترام الثوابت والتأكيد على وحدة الأمة واستقرارها غاية وهدف نلتمس من الجميع الخدمة من أجله لأن البلاد تحتاج إلى الالتفاف حول مقومات وجودها و أسباب استمرارها.
|
|
2481 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|