محمد بن امحمد العلوي.
هل يعّد قتل السفير الأمريكي ببنغازي، رمز مقاومة نظام العقيد القذافي السابق ، بمثابة تهديد للأمن القومي الأمريكي ممّا يستدعي مواجهته بحزم و على مستويات متعددة ؟ وهل استدعاء المارينز لحماية السفارات في كل من اليمن والسودان إرهاصات لعمل حربي تستعد له الولايات المتحدة ؟ الفيلم المسيء للإسلام هل نضعه في خانة بالون اختبار في نفس الاتجاه من طرف القوى المؤثرة ؟
فواشنطن تتقدم مناورات تشارك فيها 25 بلدا منها بريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات لمدة 12 يوما، وتعتبر هذه المناورات الأكبر من نوعها في منطقة مياه الخليج،لترد عليها إيران بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز إذا ما تعرضت منشئاتها النووية لضربة عسكرية و تعلن بأنها سوف تبدأ مناوراتها الشهر المقبل. فأساطيل القوات البحرية الأميركية والبريطانية تحتشد في الخليج العربي لتتعامل مع احتمال قيام إسرائيل بضربة إستباقية للمنشآت النووية الإيرانية.و تؤكد مصادر دفاعية بأن القدرة الإيرانية ليست بالقدر الكبير من التعقيد مقارنة بخصومها،إلا أنها قد تسدد سلسلة من الضربات القاتلة للسفن البريطانية والأميركية بواسطة الغواصات الصغيرة والزوارق السريعة والألغام وبطاريات الصواريخ المضادة للسفن.
فإفرازات الحرب الباردة كانت فريدة في خلق بنية دولية لم تكن لها سابقة على جميع المستويات، تتمثل في قوى دولاتية إقليمية و فواعل غير دولاتية مؤثرة بشكل غير مسبوق ،و صعود قوى دينية و تأثير خطابتها و تفجّر نزاعات عرقية و طائفية و بروز مفهوم الإحتباس الحراري الشيء الذي جعل كل الأطراف فاعل و متفاعل في آن واحد.وكانت أحداث 11 سبتمبر 2001 علامة بارزة و فارقة في تطوير نظام قوة جديد يتصف بنعومة غير مرئية إلا أنه من الممكن أن ينتج دمارا كاسحا و إعاقة داخلية لأي مجتمع من الداخل .
إنها مرحلة انتقالية تحوّلية في مسار بنية نظام دولي في طور التشكل يتم خلق ظروفها على أرض ملعب العالم بفضل حركات اللاعبين الكبار المدربة و المحسوبة بدقة وعناية،تساهم في بلورة جديدة لمفهوم الأمن المتماشي مع الجيوبولتيك الجديد المتجاوز لمنطق الدولة الوطنية.و بالعودة إلى رقعة اللعب المتمثلة في المنطقة العربية استخدمت روسيا والصين حقّ النقض (الفيتو ) في مجلس الأمن في الأمم المتحدة بهدف إحباط تمرير قرارعربي يحظى بدعم أمريكي أوروبي في الملف السوري، استخدام حقّ الفيتو من طرف موسكو وبكين على أساس حماية مصالحهما في الشرق الأوسط، يؤكد بالملموس أن الهيمنة الأمريكية وحلفائها قد أصبحت في إطار المنافسة الشرسة و احتكاك المصالح.
في نفس الإطار لم توافق الصين المستورد الأساسي للنفط الإيراني على العقوبات الغربية التي فُرضت على طهران،فروسيا والصين المدعومة من قوى ناشئة مثل الهند والبرازيل تقف في وجه هيمنة أميركا في الشرق الأوسط .بناء عليه يمكن اعتبار الحروب الصغيرة و المتوسطة مقدمة لتركيبات جيوبولتيكية جديدة انطلقت من البلقان مرورا بحروب إفريقيا و أفغانستان والعراق وحاليا سوريا، إذ أن روسيا بوتين تحاول استدراك تفكيك الإتحاد السوفياتي،الذي خلق لها أزمة جيوسياسية مهددة لأمنها القومي بفعل تمدد الأطلسي إلى حدودها القريبة .من هنا فالحسابات الإستراتيجية لروسيا حاليا تعمل على خلق حزام ممتد شرقا و غربا من مناطق أحلاف متينة في مواجهة التمدّد الأطلسي الجديد على أساس امتلاكها قوة قارية تدير قرارها و تتحكم في مدخلاته و مخرجاته الإستراتيجية و التكتيكية، ذلك بتطوير اقتصادها عوض بدل الجهود في الصناعات الحربية الثقيلة كل هذا لحماية أمنها القومي.
باعتبار موقع سوريا و إيران يتقاطع مع مراكز القوى المؤثرة في السياسة الدولية منها روسيا و الصين من جهة و أمريكا و أوروبا من جهة ثانية،فسوريا تمثل حساسية جيواستراتجية و نقطة إرتكازية بالنسبة لروسيا باعتبارها منفذا متقدما في التأثيرعلى القرارالدولي، وفي المقابل أمريكا التي تحاول محاصرة روسيا و الحيلولة دون امتلاكها هذا العمق الفعال بالنسبة لمستقبل العالم المرتقب خلقه. على نفس المستوى فالتنافس الإقليمي بين الإيرانيين والإسرائيليين كقوتين إقليميتين ،الأولى تطمح في اكتساب مزيد من القوة وخصوصا النووية و الثانية تسعى بكل قوتها و نفوذها على المستوى الدولي للحفاظ على وجودها.
بناء عليه فسوريا هي العمق الإستراتيجي لإيران في المنطقة و صلة وصل بينها و بين حليفها في جنوب لبنان حزب الله،و بالنسبة لإسرائيل تعتبر سوريا عامل استقرار مهم كدولة عازلة. و الكل يتهرب من تحول سوريا إلى دولة فاشلة تهدد الأمن الإقليمي والدولي أيضا وعليه فعندما تعمل الولايات الأمريكية على عزل إيران إقليميا و دوليا و الضغط عليها سياسيا و اقتصاديا والدفع بحليفتها سوريا إلى المزيد من الضعف ،ذلك من أجل تفكير طهران بشكل واقعي في مشروعها النووي و التعامل مع سياسة الولايات الأمريكية في المنطقة و العالم .
و قد كان إقصاء إيران من الخطط الأمريكية الحديثة الخاصة بالتكامل الإقتصادي الإقليمي لأفغانستان و محاولات أمريكا و الغرب وضع أفكار حول أفغانستان كطريق بري بديل رابط بين باكستان والهند بأسواق آسيا الوسطى وروسيا والصين، إقصاء يزيد من قلق طهران في تقلص نفوذها و انحسار دورها،و لقد اتجهت نحو جمهوريات آسيا الوسطى لإقناعها بأن الصداقة مع إيران لها فوائدها وذلك باستخدامها وسائل الإقناع بأسلوب فعال يتمثل في تطوير أسواق الطاقة الإقليمية و العمل على أمن الحدود والاستقرار كل هذا من أجل فك الضغط الاقتصادي و السياسي عليها.
إن نشوب أي حرب سيفضي إلى وقوع كارثة إذ أن الخسائر الإيرانية ستكون كبيرة في حين أن إغلاق مضيق هرمز ستكون له تداعيات مؤثرة على الاقتصادات الهشة في كل من بريطانيا ودول أوروبا واليابان المعتمدة على إمدادات النفط والغاز من منطقة الخليج العربي. لذا فإنّ إيران و اللاعبين الإقليميين يستشعرون تغيرا كبيرا في الميزان الإستراتيجي الدولي ،من ثم فطهران تحاول و تساوم بكل جهدها حتى لا تكون مهمشة في خارطة الغد الإقليمية والدولية إذا ما حسمت خيارها الإستراتيجي مستقبلا .فمطالب إيران ليس الدخول في نزاع نووي و ما يحمله من مخاطر تدميرية عليها،لكن مضمون طموحها هو ردع إسرائيل و الحدّ من حريتها في التصرف و المحافظة على ما نفوذها في العراق و سوريا و لبنان.