أزعجت تصريحات إيريك غُولدشتَاين، مدير الأبحاث بمنظّمة "هْيُومْنْ رَايْتْسْ وُوتْشْ" عن منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بعض الجهات، التي كانت تنتظر أن تكون التصريحات التي سيدلي بها، خلال الزيارة التي يقوم بها حاليا للمغرب، سندا لها حول الكثير من "المزاعم" التي ما فتئت تثيرها بمناسبة وبدون مناسبة، من أجل التباكي على واقع حقوق الإنسان بالمغرب.
ما حدث، هذه المرة، هو أن المسؤول الحقوقي، اختار أن لا ينحاز إلى الإدعاءات التي تقوض، كل ما تم بناؤه، منذ أكثر من عقدين في مجال حقوق الإنسان، بل اعتمد أساسا على ما توفر لديه من معطيات في إطار التواصل مع النشطاء الحقوقيين، والفاعلين الجمعويين، والمسؤولين الذين يوفرون للمنظمة الحقوقية الدولية أجوبة كتابية عن العديد من الأسئلة التي ستثار في التقرير المقبل لـ "هْيُومْنْ رَايْتْسْ وُوتْشْ".
لقد شرع المغرب منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي في نفض الغبار الذي تراكم على مرآة حقوق الإنسان إلى أن أصبحت أكثر صفاء، وغدا بمقدور الجميع أن يرى الوجه الحقوقي للمغرب كما هو بدون مساحيق. وعزز دستور فاتح يوليوز 2011 هذه الحقوق، وأحاطها بكل الضمانات القانونية التي تحمي حقوق الأفراد والجماعات، لذلك اعتبر غُولْدْشتَايْن أن الوثيقة الدستورية المغربية الحالية ّ متميزة في مضامينها لأنها تضمنت "مقتضيات حقوقية عدّة، كتجريم اقتراف أعمال تعذيب، وإشعار الأسر عند اعتقال قريب لها، والاعتراض على قوانين غير دستورية أمام القضاء"، وهو أمر وصفه بـ "الجيد".
ولم تجد متابعة معاذ بلغوات، الحامل للقب "الحاقد" إلا النزر القليل من اهتمام المنظمة الدولية، لأن الأغنية التي يحاكم بسببها وجّهها للشرطة المغربية، وبها كلام اعتبرته هذه المؤسسة "غير مقبول".
وتعتبر المنظمة أن ما أقدم عليه "الحاقدّ أمر "غير لائق"، لكنها في نفس الوقت ترفض استمرار وجود جرائم مرتبطة بما يسمّى: إهانة هيئات منظّمة، وهي جرائم ليس القانون المغربي وحده الذي يحاكم من أجلها، ويُحدد لها الجزاء، بل لا يكاد يخلو منها قانون أي دولة، من ثمة فإن إرادة المنظمة في إلغاء هذا النوع من المتابعات لا يهم المغرب وحده، بل يهم مجموع الدول التي تجرم قوانينها المس بهيئة منظمة، وهي كثيرة والحمد لله، لأن حماية الهيئات التي ينظمها القانون تندرج في إطار حماية السيادة، وشرف المؤسسات حتى لا تتحول إلى لقمة سائغة تتلاعب بها ألسنة كل من هب ودب.
المسؤول الحقوقي، والذي هو برتبة مدير أبحاث بالمنظمة الدولية، يقر أن لا أحد يذكر، حاليا، وجود معتقل سري للتعذيب بضواحي تمارة، وذلك لسبب بسيط هو أن الذي كان يحمل لواء هذا الإدعاء هو وزير العدل والحريات وحقوق الإنسان في حكومة عبدالإله بنكيران، لأسباب كانت تخصه، وذلك في سياق حملة منظمة، هدفها "تشويه" الوجه الحقوقي للمغرب، علما أن ما يسمى معتقلا سريا، لم يكن في الواقع سوى مقرا إداريا، وهو الأمر الذي وقف على حقيقته الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والوكيل العام للملك باستئنافية الرباط، ورؤساء الفرق النيابية بغرفتي البرلمان، ويقف عليه اليوم السيد مصطفى الرميد.
المغرب اليوم لم يعد وجهة "مفضلة" للمنظمة الدولية، لأن ما تحقق في المغرب من إنجازات، جعلها "تقتنع" ربما بأن المغرب قطع أشواطا طويلة لا يمكن التراجع عليها، وهي لذلك تكتفي الآن بالمراقبة، وتركز كل جهودها على بلدان أخرى، لا زالت تتعرض إلى قصف الربيع العربي كتونس وليبيا ومصر، وهو الربيع الذي غادره المغرب سالما.
رشيد الانباري