|
|
|
|
|
أضيف في 15 شتنبر 2012 الساعة 54 : 23
أقلام الديوان: صبحي غندور
تحوّل فيلم فيديو ردئ يسئ للإسلام، كان يمكن أن لا يشاهده إلاّ المئات من الأشخاص لو جرى تجاهله، إلى قضيّة كبرى للعرب والمسلمين تستوجب صرخة: "واإسلاماه"، تماماً كما كانت الصرخة منذ سنوات بعد الرسوم الكاريكاتوريّة في صحيفة دانمركيّة مجهولة كان لا يقرأها أحد خارج الدانمرك.
صحيح أنَّ هذا الفيلم وغيره هو إساءة كبيرة، لكنها تبقى "اساءات إعلامية" بينما الإساءات الكبرى الّتي تحصل على أرض المنطقة العربيّة وبلدان العالم الإسلامي هي الّتي تستحق صرخة الغضب والفعل السليم للتعامل معها. فهذه الأساءات الإعلامية هي "غيض من فيض" في تشويهٍ للإسلام حدث ويحدث في معظم بلدان العالم، خاصّة بعد أحداث أيلول/سبتمبر 2001، وبعضه يحصل باللغة العربية على شبكة الأنترنت منذ سنوات.
ولعله أولى بمن تلتهب حناجرهم في الشوارع وهم يدعون المسلمين إلى مزيد من الغضب والانفعال، أن يتوجّهوا إلى العرب والمسلمين بفضح الغايات المنشودة من هذه الأساءات الإعلامية المتكررة للإسلام، وبأن ينبّهوا عامّة المسلمين إلى الكمين أو الفخ المنصوب لهم لخدمة جملة أهداف تريد فرز عالم اليوم بين "شرق إسلامي" موصوف بالإرهاب و"غرب مسيحي" محكوم بالعلمانيّة والديمقراطيّة. غايات كتب عنها الكثير من مثقّفي بلدان العالم الإسلامي منذ نهاية الاتحاد السوفيتي وأفول عصر "الشرق الشيوعي" و"الغرب الرأسمالي". غايات لم تكن أبداً بعيدة عنها المصلحة الإسرائيليّة في جعل العرب والمسلمين العدو الجديد للغرب لتكون هناك ضرورة غربيّة بالحفاظ على دعم إسرائيل ودورها في الشرق العربي والإسلامي.
أيضاً، أولى بالحكومات العربيّة والإسلاميّة وأصحاب المؤسّسات التجاريّة الكبرى على امتداد العالم الإسلامي أن يخصّصوا نسبة زهيدة جداً من أموالهم الطائلة لصالح دعم مراكز الفكر والثقافة العربيّة والإسلاميّة والأجنبيّة الصديقة في دول الغرب لتعزيز دورها في عرض أفضل للإسلام والعروبة والدفاع عن الصورة المشوّهة للعرب والمسلمين. فلا أعلم ما هي الحكمة من تأجيج مشاعر العداء بين بلدان العالم الإسلامي وباقي العالم، وهل ردود الفعل الانفعالية توقف الإساءات أم تعمّقها وتزيدها وتنفع غايات أصحابها المعروفين والمجهولين؟ هل المسلمون بحاجة لمن يذكّرهم بالنص القرآني: " ألا تزر وازرة وزر أخرى" حيث لا يجوز معاقبة جماعة على أخطاء أفراد؟
ولماذا لا تستيقظ الهمم العربيّة والإسلاميّة على قضايا واقعيّة على أرضهم وفيها الكثير من الإساءة إلى القيم والمبادئ الإسلاميّة الّتي جاءت بالقرآن الكريم والسيرة النبويّة الشريفة؟ ولماذا لا يكون احتلال القدس(أولى القبلتين) والمسجد الأقصى (ثالث الحرمين) لأكثر من 45 عاماً أشدّ إيلاماً على المسلمين في العالم من اساءات إعلامية مبتذلة نكراء؟ بل لماذا التفاوض مع عدو العرب والمسلمين هو السبيل الوحيد ل"تحرير" القدس والأراضي المحتلة بينما أصبح مشاعاً استخدام العنف المسلح بين العرب والمسلمين أنفسهم؟! فالحلول "السلمية" هي الحل المتبع مع العدو بينما الحلول "العسكرية" هي وسيلة التغيير في المجتمعات العربية والإسلامية؟!
ولماذا أصبحت صرخة الغضب ضدّ الإعلام في الغرب منفذاً لطروحات طائفيّة ضد بعض المسيحيين العرب والانعكاس السلبي لذلك على وحدة المجتمعات العربيّة والإسلاميّة؟ فإلى أين يذهب المسلمون بانتقالهم الموسمي من حال السبات والنوم إلى حال الانفعال والغضب العشوائي؟ من وضع مأساوي في داخل بلدانهم ممزوج أحياناً بتسلّط خارجي، إلى انفعالات لا تميّز بين برئ ومتهم؟. وكأنَّ البلاد العربيّة والإسلاميّة قد فقدت البوصلة الّتي توجّه حركة قياداتها ومفكريها ومراجعها الدينية.
أليس محزناً أن تحصل بعض ردود الفعل الشعبية الإسلامية والعربية في عواصم يرتفع العلم الإسرائيلي فيها بينما تحتل إسرائيل مقدّسات إسلاميّة؟! ولماذا هناك أصلاً سفارات ومكاتب تمثيل لإسرائيل في بلدان عربية وإسلامية وهي الدولة المحتلة للقدس الشريف والذي تعتبره عاصمة أبدية موحدة لكيانها الغاصب؟!
أين المصلحة العربيّة والإسلاميّة في ردود فعل عشوائية تطال أشخاص أبرياء أجانب أو من أبناء الوطن نفسه؟!
ولماذا يتكرّر خطأ ردود الأفعال التي حدثت عام 1989 بعد صدور الكتاب التافه "أشعار شيطانيّة" لسلمان رشدي حيث أعطت ردود الأفعال آنذاك دعاية كبيرة لكتاب سخيف رديء وجعلت من مؤلّفه البذيء المجهول بطلاً لحريّة الكلمة في دول أوروبا عموماً؟
لا شك أنَّ كتاب "أشعار شيطانيّة" في السابق، ثم الرسوم الكاريكاتوريّة في الدانمارك، ثم ممارسات المعتوه تيري جونز في فلوريدا، ثم الآن فيلم الفيديو المشبوه، هي كلها إساءات لا تغتفر بحق الإسلام والنبي محمد( صلّى الله عليه وسلم ) وكل المسلمين أينما كان، لكن هل هناك مصلحة إسلاميّة في الترويج والدعاية لهذه الإساءات؟! أليس من الأفضل حصر التعامل مع هذه الظواهر المسيئة في أماكنها ومن خلال توظيف قوانين حرّية الرأي والكلمة والمقاضاة القانونية، وبواسطة أبناء البلد أنفسهم من عرب ومسلمين وأصدقاء محلّيين؟!
ألم يكن من الأفضل توظيف المبلغ الّذي خصّصته إيران عام 1989 لقتل سلمان رشدي (مليون دولار) في طباعة منشورات تُعرِّف بالإسلام في دول أوروبا ولا تجعل المسلمين موضع اتهام بالقتل والإرهاب؟! ولماذا هذا التناقض المفتعل بين الإسلام وحريّة الكلمة والمعتقد؟ ألم يعاصر النبي الكريم (عليه الصلاة والسلام) من اتّهموه بالكذب والجنون!
القرآن الكريم يردّد لنا في أكثر من سورة ما افترى به الكفّار على الأنبياء عموماً من صفات وادعاءات:
(( وعجبوا أن جاءهم منذرٌ منهم وقال الكافرون هذا ساحرٌ كذّاب)) (سورة ص- الآية)4 . (( إنّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون. ويقولون أئنّا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون)) (سورة الصافات- الآيتان 35 و36 ).
فكيف كانت سيرة الرسول الأعظم مع من ناقضه بل وافترى عليه بسوء الأوصاف؟ ثمَّ ألا يتّعظ المسلمون بالمنهج القرآني الّذي يستخدم المنطق والموعظة الحسنة – لا أسلوب للعنف - في الرّد على كل الافتراءات بحق الله سبحانه وتعالى وبحق جميع الأنبياء والمرسلين؟
إنَّ القليل من الفعل السليم خير من انفعال كبير. وهذا ما تحتاجه الآن شعوب البلاد العربيّة والإسلاميّة في تعاملها ليس فقط مع ظاهرة الإساءات الإعلاميّة المغرضة في الغرب، بل أيضاً مع مشاكلها وأوضاعها الداخليّة المهدّدة بالفرز والتفكّك والانشطار الطائفي والمذهبي.
وإذا كان العرب والمسلمون لا يجدون فعلاً مصلحة في المقولة الغربية/الإسرائيليّة الّتي ظهرت في مطلع التسعينات من القرن الماضي عن "صراع الحضارات" و"الخطر الإرهابي القادم من الشرق الإسلامي"، فإنَّ أبسط الأمور الآن هي عدم الوقوع في فخ الكمائن المنصوبة لهم ولوحدة أوطانهم أيضاً على أكثر من ساحة.
أنه "فيلم إسرائيلي طويل" يعيشه العالم لعقدين من الزمن بدأ بكتب وكتابات في مطلع التسعينات ثم تحول إلى حروب بمساعدة من "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة والذين يخططون الآن للعودة إلى حكم واشنطن من جديد.
|
|
2518 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|