باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
ANOUNE64@gmail.com
ربما لم يعد التسرع والعشوائية خاصية تميز وزراء العدالة والتنمية لتمتد ربما إلى التصريح الأخير للوزير الوفا بخصوص منع التحاق هيئة تدريس وتفتيش القطاع التربوي العمومي للتدريس في القطاع الخصوصي مع إلغاء دروس التقوية الليلية. من الأكيد أن الموضوع يكتسي صبغة بالغة الأهمية لكونه يأتي أياما معدودات على خطاب عاهل البلاد عقب ذكرى ثورة الملك والشعب وخاصة الالحاح على جدية إصلاح إحدى أسس رقي الشعوب أي قطاع التربية والتعليم. ويتزامن كذلك مع التصنيف المخجل للمنظومة التعليمية المغربية ضمن المرتبة الأخيرة من بين الدول. من ناحية أولى، هل القرار المتخذ من طرف الوزير الوفا سيكون نهائيا وقارا، أم سيتم التراجع عنه كما ألفنا الأمر لذا وزراء آخرين من نفس التشكيلة الحكومية؟ ثانيا، هل الاكتفاء بإصدار هذا القرار المقتصر على العنصر البشري، سيضمن للوزير الوفا رقي التعليم العمومي؟ أو أنه ثمة دوافع سياسية حزبية وراء اتخاذ هذا القرار؟ وهل تم التخمين بخصوص ردة فعل القطاع الخاص ؟ وخصوصا الحيرة التي ستطال التلاميذ سواء أولئك الذين أدوا واجبات التسجيل في المؤسسات العمومية الخاصة أو أولئك الذين لا يزالون حائرين عن القبلة التي سيولونها، إثر هذا القرار وإثر "السنة البيضاء" التي بات يهدد بها القطاع الخاص ؟ كما أن القرار قد يشكل هدية للمؤسسات الأجنبية للتعليم التي ستتاح لها الفرصة لاستقطاب المزيد من التلاميذ المغاربة والثقل المرتقب على ميزانية الأسرة المغربية؟ أعتقد أن هذا القرار له ما له وعليه ما عليه وهذا ما سنحاول تحليله مع إبداء اقتراحات عملية لتمييز المنظومة التعليمية في المغرب.
1- ظرفية وطبيعة قرار الوزير الوفا.
لا جدال في كون التوقيت الذي اختاره الوزير الوفا للتصريح بهذا القرار، توقيت لا يعكس سوى مزيد من العشوائية في اتخاذ قرارات الحكومة الحالية في ظرفية لا قابلية لذا المواطن المغربي لتحمل المزيد من القرارات الفجائية. فجائية من حيث التوقيت إذ يتزامن بداية اشتغال بعض المؤسسات الخصوصية، ومن حيث خصوصا عدم إيلاء القطاع الخاص المهلة الزمنية الضرورية لإعداد العنصر البشري المؤهل الذي يلزمه. ولا عجب أن يتم هذا على هذا النحو في إطار فعاليات حكومية غير منسجمة متجاوزة لمضامين وثيقة العمل المشترك. ولا أدل على ذلك من كون المواطن المغربي قد تابع الجلسات الحكومية مؤخرا ولم يسبق له أن سمع باتخاذ الحكومة لمثل هذا القرار وبالتالي فبإمكاننا الجزم أن القرار لا يستند على أي إجماع حكومي. وعليه يظل القرار المتخذ قرارا أحادي الجانب وذو طابع سياسي قد يربك الجهاز التنفيذي ومعه الجهاز التشريعي في مرحلة جد حساسة تهم الدخول المدرسي والدخول الجامعي وعلى بعد أسابيع قلة على افتتاح الدورة التشريعية الخريفية. "ربما قد تناسى الوزير الوفا إضافة القولة الشهيرة التي هوت والتي كانت على هذا النحو: "إما أن يتم تفعيل هذا القرار وإما سأستقيل". فالمسألة موضوع القرار لا تخص فقط التعليم الخصوصي وهيأة التدريس فحسب بل تقوينها وانعكاساتها ستهم أيضا الأسر المغربية والفعاليات السياسية والنقابية وبالتالي كان من الضروري التدارس الجماعي لهذا القرار من حيث جدواه وانعكاساته المختلفة والمدة الزمنية لتفعيله.
2- الأرضية الهشة لإنزال القرار.
قبل إنزال هذا القرار يفترض توافر المعطيات التالية:
- الاكتفاء الذاتي للمدرسة العمومية من حيث الأطر الادارية والتربوية والمفتشين؛ ونقصد هنا احترام المعايير الدولية الواجب اعتمادها في المؤسسات الحكومية حتى نضمن غياب الاكتضاض في الحواضر والنقص المهول والغياب التام للمدارس والاعداديات في الوسط القروي؛
- إقرار التحفيزات المادية والمعنوية للهيئة التربوية مع ضمان الشفافية والنزاهة في الترقيات والتعيينات سواء داخل الحواضر أو البوادي؛
- وبصفة عامة الرقي بالمؤسسة التربوية بمختلف متطلباتها البشرية، المادية، التنظيمية، التجهيزية مع ما يلزمها أولا لإقناع الأسر المغربية بمردودية المؤسسة التربوية والتعليمية من حيث الجودة في شموليتها؛ ثانيا، العزوف عن التوجه نحو القطاع الخاص،
- ضمان السير العادي للمؤسسة التربوية دون انقطاعات من جراء المزايدات السياسية.
لو توفرت هذه المعطيات لما كانت الجدوى لمثل هذه القرار لكونه قرار معزول ولن يكون له أثر إيجابي على مردودية السادة المعلمين والأساتذة لكون مردودية أي عمل لها صلة بعدة معطيات من أبرزها خلق أجواء الاحساس برد الاعتبار. ماذا ينتظر من فاعل تربوي وتعليمي في زمن أضحى في موضوع نكت وسخرية ؟
3- هل يعتبر هذا القرار موجها ضد رجال التعليم؟
من الأكيد أنه لا مجال للتعميم هنا لكون أخلاقيات المدرس ووضعه المالي وجهة تدريسه وانشغالاته تختلف من مدرس لآخر. أما ادعاءكم، قصد تزكية قراركم، بكون المدرس يغيب عن حصصه للتوجه نحو التدريس في القطاع الخاص فهذا تعليل مجانب للصواب لكون الجهاز الاداري هو المعني بإدارة طاقم التدريس والتبليغ عن التغيبات الغير مرخص لها. فموضوعيا وقانونيا، لا مجال للحديث عن تغيبات مقصودة إلا في الحالات الخاصة الصحية أو بسبب ممارسة حق دستوري كالغياب استجابة لنداء نقابي. أما إذا كانت غير ذلك، فالأمر متعلق بتغاض الجهاز الاداري والذي غاليا ما تطغى على عمله المحسوبية والعلاقات الخاصة والتستر ليخلق نوع من التمييز في التعامل مع طاقم التدريس في نفس المؤسسة حيث يسمح للبعض بالتغيب والبعض الآخر يتم التبليغ بأمره. وهذا أمر يخلق نوعا من الحساسية والتنافر بين الطاقم الاداري والطاقم التربوي وحتى بين الطاقم التربوي نفسه. لا مجال للتعميم سيد الوزير وما قولكم بشأن معلمين وأساتذة يضحون بساعات فراغهم في سبيل تخصيص، مجانا ودون مقابل مادي ولا معنوي ولا اعتراف من طرف أية جهة، دروسا للدعم والتقوية. ألا تجدون غرابة في عدم الاعتراف بهؤلاء الغيورين على مد يد المساعدة للتلاميذ المتعثرين. لا يقبل التعميم في إصدار "التهمة" قبل مراجعة محيط الفاعل التربوي والتعليمي.
4- هل يعتبر هذا القرار موجها ضد القطاع الخاص؟
يطرح هذا التساؤل لكون القطاع الخصوصي كان أول من انتفض ضد قرار الوزير الوفا علاوة على أن الفحوى السطحية للقرار هو منع توجه مدرسي الابتدائي والاعدادي والثانوي نحو القطاع الخاص علاوة على منع حصص الدعم الليلية. وجبت الاشارة لكون إضافة عبارة "مؤقت" للقرار قد يجعل متتبع تطورات هذا القطاع يستنتج إما أن الأمر ما زال خاضعا للمد والجزر وقد ينتهي به الأمر إلى الزوال أو أن الأمر يتعلق بتنبيه أو بمهلة، غير معلنة، قصد استعداد القطاع التربوي والتعليمي الخصوصي للتأقلم مع معطى الوزير الوفا. في واقع الأمر قد يظل هذا التحول المفاجئ لغزا إجرائيا لعدم استيعاب حيثياته من خلال عدم مناقشته من طرف المجلس التشريعي وبالتالي تظل كل الاحتمالات والتأويلات واردة. فما كان بالأمس مباحا وفق مقتضيات قانون الوظيفة العمومية مع (الاستثناءات بترخيص مع تحديد عدد الساعات) يصبح أياما معدودات قبل البدء الرسمي للموسم الدراسي العمومي ممنوعا دون سابق إشعار.
في الوقت الراهن وربما منذ زمن ليس ببعيد بدا التباين والهوة يبرزان بين القطاعين العمومي والخصوصي، ربما إثر الابتعاد عن الهدف النبيل الساعي إلى خلق نوع من التكامل والتآزر بين القطاعين حيث برز واقع متمثل في تطور نوع من الحساسيات الاجتماعية بين من يتابع دراسته في صفوف القطاع العمومي وذاك الذي يتابع دراسته في القطاع الخصوصي. فهذا الأخير، أي القطاع الخصوصي، لم يتمكن من ترجمة ما وفره له القطاع العمومي من تحفيزات جبائية وأطر تربوية وإدارية جاهزة التكوين إلى خلق قطاع متوازن جهويا متسما بالجدية خصوصا من خلال انفتاحه على الطاقات الشابة الطموحة قصد إدماجها في صفوفه والاستغناء التدريجي عن المؤهلات المستقطبة والجاهزة من القطاع العمومي. لنجد في آخر المطاف مؤسسات تربوية وتعليمية في غالبيتها متشكلة إداريا من طاقم "عائلي" وتربويا وتعليميا من طاقم عمومي يقبل بأجر لا تهمه أهميته لكونه يعتبره فائضا وامتيازا ماديا يضاف إلى ما يتلقاه من وظيفته الأصلية في القطاع العمومي. وصدقت المقولة السائدة أن المعلم أو الأستاذ تراه يبذل مجهودا أكبر مقارنة مع ما يبذله في القطاع العمومي لكونه يعلم أن في إطار القطاع الخصوصي ثمة منافسة بين الفعاليات التربوية والتعليمية قصد ضمان حفاظه على الأجر الاضافي. في حين أن في القطاع العام لا داعي للمنافسة لكون الأجر مضمون ولا داعي للإرهاق. وكيفما كان الأجر(الخصوصي) فتراه يقبل به لكونه في كل حال أجرة إضافية.
فلو أن القطاع الخصوصي استغل أطر القطاع العمومي في تكوين وتدريب خريجي الجامعات المغربية، لكان متوفرا على خزان من الموارد البشرية خاص به وقار ولكان قد ساهم في التقليص من حدة البطالة في المغرب. ولكنه، بسبب عقلية رأسمالية بدائية، تراه لا يفضل موارد بشرية قارة حتى لا تكون عبأ عليه بل يفضل كل سنة استبدال أطره التربوية وموافاة الوافدين الجدد بأجرة تتغير مع تغيرات السوق. إنها لسوء واقعها عقلية متناقضة بالرغم من ادعاءها بالخصوصية وبالرأسمالية، ففي الوقت الذي تجد فيه المؤسسات التربوية والتعليمية تخصص أغلفة مالية جد مهمة للبحث ولتكوين طاقاتها البشرية ساعية وراء التميز، نجد مؤسساتنا تسعى وراء التقليص من الغلاف المخصص لتكوين الأطر بل تراه منعدما لترك المجال أمام اتساع مجال الربح المريح لكونها لا تعلن بالعدد الحقيقي لأطرها التربوية بل بجزء منه ليبرز هنا نوع جلي من الفساد الناجم عن التنسيق بين الجهاز الاداري العمومي المؤهل للإشراف عن سير هذه المؤسسات وحساباتها ومؤسسات التعليم الخصوصي في المغرب.
لقد أدى القطاع العمومي مهمته ولا يزال بالرغم من الاكراهات المادية والبشرية والميولات السياسية في بناء مراكز تكوين الأطر الادارية والتربوية-التعليمية وجعلهم لمدة طويلة رهن إشارة القطاع الخاص مع مساندة هذا الأخير بتحفيزات جبائية قصد الاستثمار في كل جهات المغرب، إلا أن القطاع الخاص لم يكن وطنيا ولم يتمادى إلا في تكديس الأرباح دون استثمار ودون تكوين متمركزا في أكبر المدن المغربية لوفرة الطلب ولتواجد طبقة مجتمعية قادرة على أداء ثمن الدراسة في القطاع الخصوصي مآزرا في ذلك بظرفية بداية تدهور القطاع التربوي العمومي خصوصا من جراء تبعات سياسة التقويم الهيكلي.
وأعتقد أن الوزير الوفا يرغب في استرجاع أطر القطاع العمومي ليستيقظ القطاع الخصوصي من سباته ويعمل على تكوين موارده البشرية بالأرباح التي جناها طوال سنين مضت. أما التنديد في أول خرجة لممثلي القطاع الخصوصي بسنة بيضاء، فهذا تنديد أبخس من عشوائي ولن يقود القطاع إلا إلى الافلاس من جراء اضطرار هذه المؤسسات على إرجاع تكاليف التسجيل المبالغة فيها إلى أصحابها مقارنة مع الجودة الموفرة وما هي بجودة بل ثمة مؤسسات ليست سوى عبارة عن ديكور. بل ثمة شريحة من الأسر التي عند سماعها بقرار الوزير الوفا فإما أنها توجهت صوب المؤسسات العمومية وإما أنها لا زالت تنتظر ما مفهوم "قرار مؤقت".
5- ماذا إذا ما تم سحب القرار ؟
حينها لن تبق صفة الشعبوية والتسرع والعشوائية لصيقة بوزراء حزب العدالة والتنمية بل ستصبح السمة الشاملة والشمولية لعمل حكومة تنزيل دستور 2011. لكون اتخاذ هذا القرار أحاديا يعتبر جرأة سياسية غير محسوبة العواقب علاوة على كونها ليست من شأن وزارة بل هي مسألة وطنية تقتضي إجماعا بين مختلف الفعاليات الوطنية.
6- وجهة نظر مستقبلية تضامنية
من الأكيد أن تدارك الموقف من خلال نعت هذا القرار بالمؤقت يشكل دعوة حتى لا أقول إرغام قطاع التعليم الخصوصي على الوعي بضرورة استيعاب التغيرات التي وجب إدخالها على تدبير قطاع التربية والتعليم في المغرب بركيزتيه: الخصوصي والعمومي حتى نتمكن من الرقي بقطاع بات النهج الذي سلكه منذ عقود يتسم بالسلبية من زاوية القيمة المضافة الفكرية والابداعية المتوخاة منه ومن زاوية تسابق مؤسساته نحو الماديات وتكديس الأرباح دون استثمارات في مجال العنصر البشري ودون استثمار في المناطق النائية مكتفية بالتكدس والتزاحم داخل الحواضر الكبرى معتمدة على الموارد البشرية للقطاع العمومي. من الأكيد أن رقي المنظومة التربوية والتعليمية في المغرب مسألة وطنية وليست بمسألة توجه وزاري محض وبالتالي وجب اعتبار الصبغة "المبدئية" التي أولاها الوزير الوفا لقرار وزارته بمثابة دعوة إلزامية اضطرارية لكل الفرقاء قصد الشروع في تدارس مختلف السبل الممكنة لتجاوز الانحطاط الخطير لمنظومة المغرب التعليمية والتربوية بالنظر للتحديات التي يواجهها البلد وحاجياته لبروز مؤهلات قادرة على رفع التحديات. وعليه، فالتوجه المستقبلي وجب أن يكون مرتكزا و بإجماع حول النقط التالية:
أولا، ضرورة تغييب وتجاوز الهاجس السياسي لكون متاهاته ستبقي قطاع التربية والتعليم في نقطة الصفر أو ادنى وأخطر؛
ثانيا، الاندماج ضمن ثورة تعليمية وتربوية مستهدفة الابداع وتحرير الفكر وانفتاحه عوض حبسه ضمن إطار الحفظ والاستظهار.
ثالثا ، تبني مبدأ الشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخصوصي في تمويل مراكز تكوين المعلمين والأساتذة وكذا التوافق بشأن قاعدة تربوية مشتركة تحافظ على قيم ومميزات المغرب مع فتح المجال أمام التفكير في إدراج مواد وتخصصات تمكن من تطوير المهارات الفكرية والإبداعية. فإذا كان القطاع الخصوصي يثقن أبجديات الاستثمار فمن الأكيد أنه حان الوقت ليتحمل مسؤولية الاستثمار في الموارد البشرية التربوية والتعليمية والتفتيشية.
رابعا، وسيترتب على مبدأ الشراكة هذا توسيع في قاعدة المرشحين لولوج مراكز التكوين وبالتالي الرفع من فرص التشغيل الذي لن تعود الوزارة تتحكم فيه أحاديا بل من خلال لجنة مشتركة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص.
خامسا، ضرورة إعطاء الحوار الاصلاحي بعدا جهويا من ناحية خلق مؤسسات تكوين الأطر ومؤسسات تكوين التلاميذ وكذا إدماج المتخرجين حاملي الشواهد.
سادسا، وجبـت إعادة النظر في هيكلة المؤسسة التعليمية والتوقيت المعتمد بها وأقصد هنا خاصة المستوى الاعدادي والثانوي الذي وجبت مؤسساته أن تصبح مؤسسات تعليمية-تكوينية بهدف أولا الحصول على شهادة الباكلوريا تكون عاكسة لصاحبها امتلاكه لمؤهلات نظرية وعملية. أراهن على مشروع تكون فيه المؤسسة تضم جناحين: جناح خاص بالتكوين النظري الذي سيعاد النظر في مضمونه كما سلف الذكر مع التركيز على منهجية علمية لاستيعاب ما سيتم تلقينه. ذلك أن النظام التربوي الحالي تغيب عنه كليا تلقين منهجية والتي هي مفتاح حسن الاستيعاب وأرضية الاعتماد على المؤهلات الذاتية والابتكار. أما الجناح الثاني فوجب أن يضم ورشات يعاين ويمارس ويتلقى فيها التلميذ تدريجيا منذ السنة الأولى إعدادي حتى سنة الباكلوريا تكوينا عمليا في مجالات الالكترونيك والكهرباء والحواسيب وغيرها من المجالات العملية التي يتم الاتفاق بشأنها من طرف مختصين في هذه المجالات لتحديد الكيفية الملائمة للتفعيل التدريجي تبعا لمستوى التلميذ لهذا النوع من التكوين العملي. فاستعمال زمن التلميذ سيكون وفق هذا المنظور مخصصا في الصباح للتكوين النظري مع حذف بعض المواد التي تعتبر مجرد حشو يثقل ذاكرة التلميذ وبعد الظهر ستكون وجهته الورشات العملية. ومن المنتظر أن يكون التلميذ بعد نجاحه في الباكلوريا متوفرا على فكرة توجهه إما نحو التعليم العالي أو إلى معاهد صقل تكوينه المهني بل بإمكانه حينها الالتحاق بإحدى المقاولات أو المشاتل قصد الشروع في الحياة العملية. والخلاصة أن الشواهد المحصل عليها سيكون لها وزن آخر كما أن آفاق التلميذ ستكون متعددة. ومما لا شك فيه أن المقاولات التي تشكو من غياب المؤهلات الملائمة، وجب عليها الاندماج ضمن هذا المشروع التعليمي- التكويني ولو من زاوية التضامن والتكامل بين فعاليات القطاع الخاص فذاك مستثمر في التعليم وذاك مستثمر في الصناعة أو التجارة أو غيرها وبالتالي لم لا يشكل هذا النموذج التعليمي – التكويني أرضية لإعداد ما المقاولة وما الاقتصاد الوطني المنتج في حاجة إليه من مؤهلات بشرية عملية.
وجب على قطاع التعليم الخصوصي أن يستنتج أنه عند ترتيب المنظومة التربوية في المغرب في أسفل ترتيب الدول، فهذا لا يعني أن المنعوت هو القطاع التربوي العمومي لوحده بل المنظومة في شموليتها دون تمييز في الترتيب بين القطاعين؛ وبالتالي فقد بات الشروع في التفكير بضرورة النهوض بالمنظومة التربوية أمرا استراتيجيا وخصوصا بدعم من القطاع الخصوصي الذي استفاد ولسنوات عدة من التحفيزات ومن الدعم البشري. وقد حان الوقت لكي يبرهن على وطنيته بانضمامه إلى الجهود المبذولة قصد تقويم المنظومة التربوية في المغرب والتي هي أهم أسس رقي المجتمعات إلى جانب العدل والصحة. لا أعتقد أن القطاع الخصوصي يجهل أن الواقع المعاش عالميا يعكس مدى اعتماد الدول على الاستثمار في عنصرها البشري لدرايتها بكونه هو الأساس وهو الأولوي بالنظر للقيمة المضافة التي يدعم بها مجموع القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للبلد؛ ما هو واقع وجد سلبي هو كون القطاع الخصوصي قد تمادى كثيرا في الاتكال على القطاع العمومي في وقت يتغاضى فيه على أن هذا الواقع يتنافى كليا: مبدئيا وجوهريا مع ما تدع إليه الليبرالية في الدول المتقدمة التي تسعى وراء رقي المجتمع في غالبته الكبرى عوض السعي وراء رقي فئة قليلة على حساب فئة عريضة.