الحسن معتصم.
نتساءل عن سبب الحب الذي يجمع أميناتو حيدر بالأمريكية كيري كينيدي ؟ هذا العشق الذي نما في زمن قصير ليتحول إلى شغف مقرون بالتضحية من طرف كيري ، والذي يذكرنا بالعشق عند المثليات. حيث تسقط الأنثى الأولى في غرام الأنثى الثانية فتتحول تلك المودة إلى زواج وقبول ولو ضد مصالح الأسرة والوطن، وإن كان زواج أميناتو حيدر وكيري «الرمزي» يطرح كَمّا من التساؤلات . ولعل أقواها : هل ذهبت كيري للصحراء المغربية للتعرف على أحوال السكان دون انتقاء أم للقاء أميناتو حيضر شخصيا مع سبق الإسرار؟ وما الذي يجمع مواطنة مغربية أبا عن جد محسوبة على انفصاليي البوليساريو الذين يحلمون بإقامة دويلة اشتراكية شيوعية قادتها متشبعون بالفكر الشيوعي والأيديولوجية السوفيتية ، وبين أمريكية أبا عن جد تحمل اسم الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثون «جون كينيدي» الرأسمالي صاحب المواقف المشرفة لصالح وطنه الولايات المتحدة؟
لا نظن أن كيري كينيدي تجهل ماضي جون كينيدي ، وتجهل التضحيات التي قدمها لأمريكا وطنه في أحلك لحظات الصراع بين القطبين . فاسم جون كينيدي مقترن بعملية اقتحام خليج الخنازير، وأزمة الصواريخ الكوبية ، والتي كانت سوفيتية حاول السوفيات بناءها في كوبا في عهد الرئيس السوفياتي نيكيتا خروتشوف ردا على الحصار الذي ضربته الولايات المتحدة على كوبا. وكأن التاريخ يعيد نفسه لكن هذه المرة مع سوريا حيث وقفت روسيا شوكة في حلق الولايات المتحدة والأوروبيين مرة أخرى .
فبعد التوصل إلى اتفاق بين السوفيت والولايات المتحدة حول فك الحصار على كوبا وبالتالي فك صواريخ السوفيت وإزالتها بعدما كانت متوجهة إلى عمق الولايات المتحدة قال جون كينيدي قولته الشهيرة «ستكون سياسة هذه الأمة إزاء أي صواريخ نووية تنطلق من كوبا ضد أي دولة في النصف الغربي هجوما على الولايات المتحدة، وستكون ردة الفعل الانتقامية كاملة على الاتحاد السوفياتي».
فهل تناست كيري كينيدي أم نسيت بأن الصراع بين المغرب والجزائر حسب شهادة القائد العسكري الجنرال "سالازار" قائد القوات الاسبانية والذي صرح للصحفي البريطاني "ستيفان هوغيس"، قائلا :" همي الوحيد هو انسحاب رجالي من الصحراء بكرامة، مرفوعي الرؤوس وترك المغاربة والجزائريين يتنازعون فيما بينهم". (كان ذلك بعد انطلاقة المفاوضات بين المغرب واسبانيا في 12نونبر1975). أما البولساريو فما هم سوى مجموعة من المخابرين نواتهم كانت مكونة من 2500 نفرا كانوا يعملون مع الأسبان ضد إخوانهم المغاربة الصحراويين ، فسلمهم الأسبان للجزائر التي احتضنتهم لتستعملهم كواجهة في صراعها مع المغرب على صحراء لم تكن تابعة لنفوذ الجزائر في أي لحظة تاريخية . لكنه التطفل السياسي وأهدافه الدنيئة : وهي عرقلة مساعي المغرب حين طالب الجزائر بأن تعيد له أراضيه الشرقية التي ضمها بالقوة الاستعمار الفرنسي للجزائر.
ويظهر أن كيري كينيدي لا تعلم وإلا فهي تلعب ضد مصالح بلدها الولايات المتحدة وضد مصالح المغرب وكما صرح بذلك "شارلد مينيتير" الصحافي الأمريكي الشهير في مقاله في صحيفة "دايلي كالر" حيث قال «إن سليلة عائلة كينيدي لا تعمل فقط ضد مصالح المغرب، وإنما أيضا ضد مصالح بلادها.» وهو يشير إلى الضرر الذي تلحقه مواقف كيري كينيدي بمصالح المغرب، وهو الحليف التقليدي للولايات المتحدة، ووصف تعاملها مع قضية الصحراء بأنه «نهج أعمى يظهر وجود سذاجة وبراءة يتم استغلالها لأغراض دعائية من قبل قادة البوليساريو».
لكن وكما يقال « هذا ما عطا الله » ماذا بوسع المغرب أن يفعل والخنجر آت من الحليف التقليدي والشريك الاقتصادي ، والشريك في مبادئ التحرر . فالمغرب أدى واجبه يوم كانت الأراضي الأمريكية مستعمرة فكان أول المعترفين باستقلال الولايات المتحدة . فهل سيسجل التاريخ أن الولايات المتحدة ستتعمّد يوما نكران الجميل السياسي – اتجاه المغاربة- تحت وطأة المصالح الاقتصادية ولو مع أعدائها التقليديين الاشتراكيين ؟
ومع ذلك ، فكيري كيندي بالطبع ليست هي الولايات المتحدة المؤسسات ، وليست هي من سيعطي الجزائر/البولساريو الصحراء المغربية على طبق من ذهب، وليست هي من تقبل لَعِبَ لُعْبة " فرنسا زمان" فتقطع الصحراء من لحم المغاربة وكما قطعت فرنسا مورتانيا من لحمهم ودمهم. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولمغاربة اليوم لهم ما استرجعوه وما سيسترجعوه من أراضيهم ، وليس هناك قوة في العالم قادرة على إجبار المغاربة على التخلي عن صحرائهم . فالصحراء استرجعها الشعب المغربي بمسيرته الخضراء التاريخية ، وبمعاهدة دولية مع مستعمرها القديم الأسبان، وبشهادة الأمم المتحدة والعالم أجمع وقتها. فالمغرب لم يكن مستعمِرا أبدا لأرض ولا لشعب ما. وما الشعب الموجود بتند وف سوى مغاربة أسرى تحاصرهم البوليساريو والجنود الجزائريون بالتهديد والوعيد. ولكنها دنيا الأطماع والمصالح التي تسمي المستعمَر جانيا والمستعمِر مظلوما. فبات المغرب الذي يحاول استكمال استقلاله القطري مستَعْمِرا-سارقا في أعين المغرر بهم في تندوف أو في مؤسسات مشبوهة دولية، بينما الجزائر التي تنام على أراضي مغربية شرقية "أمينة" مدافعة عن المظلومين.
وكيفما كان الحال لا يجب أن نلوم الناس كثيرا ، وعلينا بشيء من النقد الذاتي كي نصلح عيوبنا متى استفقنا من سباتنا . لقد كان المسئولون المغاربة يعلمون الشيء الكثير عن تصرفات كيري كينيدي ، ويعلمون مدى الحب الذي تكنه لأميناتو حيدر وبالتالي للبولساريو . لكن السؤال لماذا لم تتصرف وزارة الثقافة مثلا لتسخير الثقافة لخدمة السياسة وذلك بتخصيص يوم دراسي للرئيس الأمريكي " جون كينيدي " في إحدى الجامعات الصيفية ؟ تشارك فيه كيري كينيدي نفسها ويتم الوقوف فيه على أفكار وسياسة جون كينيدي في مواجهة المد الاشتراكي الشيوعي ، مع بسط العلاقة بين المغرب وصحرائه والعلاقة بين البوليساريو والسوفيت إبان الحرب الباردة والتي تلعب فيها الجزائر لعبتها بالوكالة منذ مطلع السبعينات.