منذ أن فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية الأخيرة وكون حكومته والسيد بنكيران لا يدع أي فرصة تمر دون أن يتحدث عن الملك وولائه للملك وإخلاصه للملك، حتى أصبحنا نظن أن الرجل ملكي أكثر من الملك نفسه. ومرت الأيام تلو الأيام والرجل مازال يصر بأن الملك هو المسؤول عن تنزيل الدستور لأنه رئيس الدولة وهو "مجرد" رئيس حكومة (حسب قوله) لا حول له ولا قوة، ثم بعد ذلك اعتذر للملك علانيةً في سابقة من نوعها على تصريحاته بخصوص المستشارين الملكيين.
ومن يرى ويحلل تصريحات السيد بنكيران سيظن بأن حزب العدالة والتنمية حزب مسالم، لا يريد إلا خدمة الشأن العام ولا يريد مشاكلاً لا مع الملك ولا مع الحلفاء ولا مع المعارضين. لكن ما خفي كان أعظم!
تقسيم الأدوار داخل الحزب هو تقسيم محكم، ومن يظن بأن حزب العدالة والتنمية هو الذي فاز بالانتخابات فهو واهمٌ. فحركة التوحيد والإصلاح الاسلامية هي التي فازت بالانتخابات الأخيرة وهي التي وجب تحليل مواقفها، و البحث في مرجعيتها و مصادر تمويلها. فالحزب لا يساوي شيئاً دون الحركة التي تملك جريدة التجديد، والتي تملك دوراً للقران في أنحاء البلاد، والتي تؤطر الآلاف من الشباب تأطيراً دينياً ليلتحقوا في ما بعد بالحزب، والتي تملك نصيبها من المقاعد في البرلمان و في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، والتي تنسق عن قرب مع الحركات الاسلامية الأخرى كالعدل والإحسان والشبيبة الاسلامية و بعد السلفيين.
وإذا كان الحزب قد انتقل إلى الحكومة اليوم فالحركة بقيت في المعارضة و بقيت في الشارع لتستكمل ما بدأته من تعبئة للمواطنين البسطاء باسم الدين والفكر الوهابي، والخطير في الأمر هي مواقف قيادييها من الثوابت التي حسم فيها المغاربة في دستور 2011.
فبعد عودة السيد الريسوني من المشرق بدأ يكفر الناس على هواه ويفرق في النعوت كما يشاء، فوصف الليبراليين والعلمانيين بالملحدين واتهم الملك والنظام بتشويه المذهب المالكي، و طالب بإلغاء البيعة، وهو من قال سابقاً بأن الأموال التي تجنيها الدولة من بيع الخمر هي أموال محرمة لكن وزراء العدالة والتنمية لا حرج عليهم. والسيد حامي الدين عضو الأمانة العامة للحزب اتهم الملك بخرق الدستور عندما التقى الملك وزير الداخلية ومسؤلين امنيين و أعطى أوامره باعتقال أفراد أمن وجمركيين فاسدين. ولم يحرك الرجلان معاً ساكناً عندما قال السيد بنكيران للمفسدين "عفا الله عما سلف"، أو عندما نقضت الحكومة عهدها مع المعطلين و أوزعتهم ضرباً في شوارع المملكة.
السيد حامي الدين الذي يُحَمِّلَ نفسه صفة "الحقوقي" يجب أن يدافع أولاً عن حقوق المعطلين والمتقاعدين وقدماء العسكريين المرابطين أمام البرلمان منذ شهور، وأن يطلب من رئيسه في الحزب أن يفعل الدستور وفصوله العشرينية ليضمن الحقوق الأساسية للمغاربة قبل أن يتدخل في شؤون الملك رئيس الدولة وقائدها. والسيد الريسوني الفقيه ورجل الدين يجب أن يَتَّقِ الله في المغاربة أولاً وأن يكف عن زرع الفتن باسم الدين، وإذا كان الدين النصيحة فعليه أن يوجه نصائحه أولاً للمقربين من حركته وحزبه وأن يدعوهم للصواب وأن يتقوا الله في المغاربة والكف عن عبثهم الحكومي الذي لا يزيد الطين إلا بلة.
فأزمة القمح وعجز الميزانية والميزان التجاري ومعاناة المغاربة في المستشفيات والجامعات أهم بكثير من اهتمام السيد الريسوني بطقوس البيعة، ولو كان السيد رئيس الحكومة ووزراءه حريصين على محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين لما تدخل ملك البلاد بنفسه. أي أنه كان بالأحرى بالسيد حامي الدين أن يطلب من رئيس الحكومة أن يتحمل مسؤوليته كاملةً وأن يكف عن العبث، عوض التكلم عن الملك بطريقة لا يقبلها المغاربة.
فالملك هو الضامن في هذا البلد، ولو حكمنا غيره لتشتت أوصالنا بين المتطرفين وذوي السوابق الاجرامية.
إيوا الله يجيب ليفهمنا ومايعطينا والو ...