انتهت العطلة الصيفية وعطلة العيد. الدخول المدرسي والجامعي والسياسي والمهني على الأبواب... شوارع المملكة السعيدة عادت إذن إلى فوضاها المعهودة.
أزمة السير في المغرب أصبحت معضلة حقيقية. المدن الكبرى تعرف اختناقا رهيبا وفوضى بشعة، قبيحة، مهينة. فلنتأمل شوارعنا بعض الوقت، فلنتأمل قليلا أسلوب سياقتنا لسياراتنا وحافلاتنا وشاحناتنا ودراجاتنا. فلنتأمل قليلا علاقتنا كراجلين بالشارع. فلنتأمل منظر عربات الكارو والدراجات الثلاثية الجديدة في فضائنا البصري... فلنتأمل كل هذا بعض الوقت، وبهدوء من فضلكم، لكي ندرك كم نحن فعلا... متخلفون.علاقتنا بالطريق تبين فعلا مدى تحضرنا أو تخلفنا. ولا أحد يريد أن يتحمل مسؤولياته. منذ بضعة أيام، كنت أحدث مجموعة أصدقاء عن وضعية تستفزني أيما استفزاز: ركن السيارات في الوضع الثاني وأحيانا الثالث؛ وهو أمر أصبح العديد من المواطنين يعتبرونه حقا من حقوقهم. حين يتعذر الحصول على مكان، لا يتعب السائق نفسه في البحث. يركن سيارته كيفما اتفق، ويتوجه لقضاء أغراضه (وأحيانا لاحتساء قهوة أو شاي، وهذه تجربة كنت شخصيا ضحيتها أكثر من مرة). الأمر أصبح متعارفا عليه لدرجة أن أغلب السائقين لا يحاولون أساسا البحثَ عن مكان لركن سياراتهم. يتوقفون أمام المحل الذي يقصدونه، يركنون سياراتهم في الوضع الثاني وينصرفون. لا تهم عرقلة السير. لا تهم إمكانية ترك السيارة المركونة بشكل قانوني رهينةً حبيسةً بانتظار عودة صاحب السيارة المخالفة للقانون، بل أصبح الأمر كاريكاتوريا لدرجة أصبح البعض يركن سيارته في الصف الثاني، بينما أمامه مكان شاغر وأحيانا أكثر (تفاديا لدفع درهمين للحارس؟). بينما كنت أتطرق إلى هذا الأمر المستفز، أجابني شاب متعلم وذكي: «أنا أفعل ذلك... حتى حين يتوفر مكان شاغر، أترك سيارتي في الصف الثاني. لو ركنتها في المكان الشاغر، سيأتي شخص آخر ليركن سيارته في الصف الثاني، ويتركني رهينا». هذه الفلسفة المقلوبة ليست، للأسف، حالة خاصة. إنها حالة تتكرر باستمرار. تعددها هو الذي يخلق الفوضى المحيطة بنا. أتذكر عبارة باللغة الفرنسية يكررها باستمرار صديق آخر: «Quand chacun applique ses règles le monde se dérègle» (حين يقرر كل فرد أن يطبق قواعده الخاصة، تنهار كل القواعد). لا يمكن أن نخترع قوانيننا الخاصة التي تجعلنا نتفادى عدم احترام الآخرين للقوانين. احترام القواعد الموجودة والقوانين المتعارف عليها هو الحل، وليس ابتداع قوانين جديدة. هي إذن مسؤولية سلوك أناني وغير مسؤول ولا متحضر يسلكه العديد من مستعملي الطريق، سواء كانوا سائقين أو راجلين (الدراجات التي يقودها أصحابها وسط الطريق أو على يسارها، تغيير الاتجاه بشكل مفاجئ، عدم احترام إشارات المرور ولا السرعة المحددة، عدم احترام ممر الراجلين...). لكننا لا يجب أيضا أن نتناسى مسؤولية الدولة في هذا الخلل. ويمكننا هنا أن نتحدث على الأقل عن نقطتين اثنتين:
أولا، لماذا يعتبر مسيرو مختلف المدن أن بناء وتجهييز مرائب هو ترف لا يحتاجه السكان؟ ارتفاع عدد السيارات، خصوصا في المدن الكبرى، يجعل سكان هذه المدن في حاجة ماسة ومتصاعدة إلى مرائب يركنون فيها سياراتهم. كيف يمكننا اليوم أن نطالب المواطن باحترام القانون، دون توفير الشروط اللوجيستيكية اللازمة لهذا الأمر؟ هذا لا ينفي طبعا المسؤولية عن المواطن، لكنه يجعلها مسؤولية مشتركة. عدم الإسراع ببناء وتجهيز المرائب سيؤدي إلى تشعب أكبر وفوضى أعم بالتدريج. وإلا، فسيجب في يوم من الأيام أن نصدر قانونا جديدا يحدد عدد السيارات داخل كل أسرة...
ثانيا، كيف تصورنا أننا، بإخراج قانون سيرٍ صارم إلى الوجود، قد وجدنا حلا لمعضلة فوضى السير في طرقاتنا؟ لا يمكن حتى لأحسن قانون في الكون أن يغير شيئا في مجتمع ما، إذا لم يتم تفعيل ذلك القانون بصرامة. باستثناء مراقبة السرعة (وحتى هذه تتم بشكل شبه موسمي، لأن العديد من السائقين ما زالوا يفتخرون بأنهم تجاوزوا السرعة المحددة دون أن يضبطهم الرادار)، فليس للمواطن إحساس بأن قانون السير الجديد رهن التطبيق بالصرامة المنتظرة. هذه طبعا مسؤولية الأمن (شرطةً ودَرَكًا). التساهل، والرشوة، والإهمال والتسامح أحيانا ("عافاك ألشاف غير سمح ليا"...) يعطي انطباعا كبيرا بالإفلات من العقاب ولا يشعر معه المواطن، سائقا كان أو راجلا، بإلزامية احترام قانون السير.
كنت وما أزال مقتنعة بأن الردع هو الأسلوب الأنجع لكي نحسن جميعا علاقتنا بالطريق. ما لم يطبق القانون بشكل صارم، فستظل لدينا دائما الرغبة في البحث عن الحلول السهلة والأنانية التي تناسبنا وتريحنا.
مزيد من الانتظار لتطبيق القانون (وهذه مسؤولية الدولة)، لتجهيز البنيات التحتية اللازمة (وهي مسؤولية الحكومات والجماعات المحلية) ولتغيير سلوكياتنا (وهذه مسؤولية جميع المواطنين)، سيزيد من مظاهر تخلفنا الطرقي ويعقدها أكثر فأكثر... الأمر أصبح فعلا مستعجلا وخطيرا.
بقلم : سناء العاجي, كاتبة