بلا جدال نقول بأن الشعوب التي صنعت لنفسها تاريخا و تركت أثرا في الحياة كانت تملك رؤية إستشرافية للغد، والتعامل مع المشكلات الدائمة كانت تتحكم فيه إدارة نابعة من أفكار البيئة الخاصة بهم وبذل المزيد من الجهد من أجل التجديد. والمغرب يعتبر أول بلد سابق إلى دق ناقوس الخطر مما يجري في منطقة الساحل والصحراء٬فيما يخص الترابطات المصلحية بين الشبكات الإرهابية والمنظمات الإجرامية.
وهذا نابع من حرص المملكة الدائم على خدمة القيم السامية و التعاون مع المجموعة الدولية في إرساء السلام ،و تجلى هذا التعاون والتكاتف في الكثير من المواقف الدولية التي أبان فيها المغرب عن تحمله لمسؤولياته من أجل مواجهة المشكلات الجديدة والمتزايدة وما تعاونه في مشكلة دولة مالي إلا مثال يعطي الملمح الحقيقي للدولة المغربية المسالمة.
في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية فيوما بعد يوم تطفو على السطح أمور تزيدها تعقيدا أو على أقل تقدير تأزما للملف، فالمبعوث الأممي كريستوفر روس حاد عن مسار مهمته بانسياقه وراء أطروحات الخصوم و هذا ما جعل المغرب يقف موقف الرافض لبقاء روس في مهمته .لكن في اتصال هاتفي مطول للملك محمد السادس مع الأمين العام للأمم المتحدة أكد هذا الأخير على أن الأمم المتحدة لا تعتزم إدخال أي تغييرات على مهامها في مجال الوساطة،ومن هنا نستشف أن الموقف المغربي من المبعوث الأممي لم يتغير و إنما المستجدات المرافقة لملف القضية أظهرت أن الأطراف المتدخلة هي من اقتنع بجدوى الإلتزام بالإطار العام لحل الحكم الذاتي المقترح و الموافق عليه دون تحيز .
و في الإطار نفسه التزام المينورسو بمهامه في مراقبة وقف إطلاق النار دون السير في اتجاه مراقبة حقوق الإنسان ، فمطلب المملكة المغربية الداعي إلى حل سلمي و واقعي في الصحراء المغربية رافقه مبدأ التعاون و حسن النية باعتباره مدافعا عن حقه الشرعي و التاريخي كدولة و مجتمع. و عند الحديث عن مجال حقوق الإنسان لابد من تصنيف مخيمات تندوف الواقعة تحت نفوذ ميليشيات البوليساريو تحت الصفر في هذا المجال ، فغياب الحق في حرية التعبير و التملك و الرأي داخل المخيمات جعلها حاضنة لتجنيد شبكات إرهابية ومهربين من كل الأصناف وعصابات إجرامية تهدد الأمن و السلم في المنطقة و العالم.
وتؤكد تقارير عديدة على أن هناك صلات وثيقة بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وعصابات أمريكا اللاتينية في اتجاه تهريب المخدرات نحو أوروبا انطلاقا من منطقة الساحل بتعاون مع جبهة البوليساريو .فاللعب بورقة حقوق الإنسان في منطقة تعرف عدم استقرار أمني و تداخل في مصالح متباينة بين شبكات إرهابية و مروجي المخدرات يمكن اعتباره لعبا بالنار و تحيزا سافرا في اتجاه منطق استفزازي. و من أجل إظهار التعاطي الجيد مع كل ما من شأنه أن يحلحل قضية الصحراء في الإتجاه الايجابي،فالمغرب تعامل مع مؤسسة كندي من أجل العدالة وحقوق الإنسان تعامل دولة تحترم نفسها و تدافع عن سيادتها ،فرغم أن الوفد الأمريكي يعتبر منحازا للبوليساريو فالمملكة تعاونت معه و سهلت مهمته و تأمل أن يكون تقريره موضوعيا.
ولعل أخطر ما يكتنف الخطاب السياسي والثقافي والإعلامي لبعض الجهات المستفيدة من الوضع هو التمويه و الإعراض عن مكامن الضرر في قضية تعتبر أولوية الأولويات ،فإننا لا نريد مستقبلاً أن نصطدم بحقيقة أن ما واكب هذا الوضع من خطابات ليس إلا سجالات بائسة ومهاترات تدعو إلى الرثاء. فيما أن حاضر ومستقبل مجتمعات المنطقة أضحت تراه غامضا و ضبابيا فالوضع في منطقة الساحل والصحراء أصبحت بشكل متزايد تعتبر مشتلا للإرهاب وملاذا للجريمة المنظمة.فالعمل السريع و الجدي بين المتدخلين و الشركاء أصبح ضرورة ملحة لتجنب أفغانستان جديدة في المنطقة ،و من ثم لابد من تبني مقاربة عادلة و موضوعية في حل قضية الصحراء في إطار إستراتيجية إقليمية حقيقية و تعاون فعال و دون مزايدات.
إذن سوف يؤدى عدم استقرار الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة إلى أن تبوء أي جهود مبذولة للتعاون الدولي بالفشل،و سيزيد من احتمالية مضاعفة إساءة التقدير و زيادة الصراعات وعدم الأمن و تهديد المميزات الاقتصادية، وهذا ما يدعو إلى الدفع بمقترح الحكم الذاتي نحو الاتجاه الإيجابي و الدفاع عنه أمام المجموعات الدولية المؤثرة في القرار العالمي .فتوجهات بعض الأطراف الشديدة الإنغلاق في ملامسة قضية الصحراء المغربية لابد من أن تقوم بمراجعة سياساتها.وأنها يجب أن تعمل على تطوير نفسها وأن تتوصل لرؤية جيوسياسية شاملة وطويلة المدي للإستجابة لأي تغير في وضعها الحالي ،و ذلك في ظل ما يواجهه العالم من مشكلات و صراعات دولية تلقي بظلالها على مستقبل المنطقة المغاربية بالخصوص و القارة الإفريقية بشكل عام.