سيكون من العبث الاعتقاد إقدام القصر على تنصيب حكومة من أجل معارضتها. ومن المؤكد أن مثل هذا التحليل لا يمكن أن يجود به إلا حُمق أولئك الذين اعتادوا بناء الأصنام ثم الشروع في عبادتها تماما كما فعل السامري بقوم موسى مع فرق أن لا أحد سيخر ساجدا لهذه القراءة.
ويشكل مثل هذا التحليل أو الفدلكة مدخلا لتبرير فشل تجربة حكومية ( إذا ما فشلت التجربة بالفعل، ولا أحد يتمنى لها ذلك) حملتها صناديق الاقتراع إلى أعلى هرم المسؤولية الحكومية، وظهر مع مرور الوقت أن التجربة والخبرة تعوزانها في قيادة السلطة التنفيذية، واتضح أن أغلب عناصر الفريق الحكومي من الهواة الذين تسيطر عليهم حرارة الانفعال بينما المطلوب هو برودة الفعل.
ومن الواضح جدا أن هناك نية مبيتة لإقحام القصر، بالرغم من أن القصر اختار في المغرب ممارسة دور الحكم، ولم يكن خصما، في أية لحظة من اللحظات، لأي حزب سياسي سواء أكان يقود الأغلبية أو يقود المعارضة.
والملاحظ خلال هذه الأيام أن ألة جهنمية تشتغل، تارة بادعاء أن حفل الولاء يمس بالكرامة، وتارة برفع الشعارات تصل حد الوقاحة.
والسؤال هو من يعارض حكومة بنكيران حقيقة؟
الجواب بسيط جدا، ولا يحتاج إلى اجتهاد، فأكبر معارض للحكومة هو الشعب الذي صوت عليها، ثم سرعان ما اكتوى بنار الزيادة في أسعار المحروقات، وما كان لذلك من انعكاسات على أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية... هو الشعب الذي أصبح يشتري الدجاج بـ 25 درهما للكيلو غرام الحي في أسواق الجملة، ويقتني بعض أنواع السكر ( الكرطونة) ب 15 درهما للقالب الواحد... هم الفقراء الذي لم تصلهم بعد الحوالات الموعودة في نهاية كل شهر، هم العاطلون الذين قررت الحكومة بجرة قلم حرمانهم من التوظيف المباشر، هم الملزمون الذين حجزت الحكومة على أرصدتهم بالأبناك لوجودهم في نزاع مع إدارة الضرائب، وقبل أن يقول القضاء كلمته.
إن هؤلاء ليسوا خصوما سياسيين وإيديولوجيين، ولا لوبيات فساد، ولا أصحاب مصالح، ولا تحركهم أية جهة كانت داخلية أو خارجية، بل ما يحركهم هو تخلي الحكومة عن وعودها في الانتخابات، التي صورت لهم تسلم العدالة والتنمية لمقاليد السلطة وكأنه سيفتح لهم أبواب الجنة، وإذا به يفتح باب الغلاء ، والعجز في الميزان التجاري، وتدني الخدمات العمومية في الصحة والنقل والنظافة...
هذه هي أقوى معارضة لحكومة عبد الإله بنكيران، ناهيك عن المعارضة السياسية التي تمارسها الأحزاب، والتي طالما قطرت الشمع على رئيس الحكومة ووزراؤه خلال جلسة المساءلة الشهرية، والمعارضة التي يمارسها المجتمع المدني بسبب موقف الحزب العلني والصريح من زواج القاصرات،والإجهاض، والحريات الفردية، وإحقاق المساواة بين الجنسين، والمعارضة التي اضطلعت بها باقي أطياف الحركات الإسلامية، التي تريد من العدالة والتنمية التطبيق الحرفي للشريعة، وتصف حكومته بالطاغوت...
لقد رسم دستور فاتح يوليوز الخطوط الفاصلة بين السلط، وحدد للملك مجالات اختصاصه ولرئيس الحكومة حدود صلاحياته، غير أن بنكيران يبدو مترددا في ممارسة هذه الصلاحيات وفي مقدمتها تنزيل الدستور الجديد.