محمد بن امحمد العلوي.
إن الرغبة العارمة لدى كل المجتمعات في التغيير تعتبر حاجة ماسة في اتجاه التطوير والتحديث والمواكبة، ونجاح التنمية رهين بأهمية التعليم باعتباره قلب وأساس هذه العملية في استعادة المجتمع بشكل دائم لتكيفه و تأقلمه مع الأحداث و الظروف سواء محلية او عالمية . و يعتبر الاهتمام بمنظومة التعليم في المغرب ضرورة إلى الحد الذي يمكننا الزعم معه بأن كل مخاوف التأخر و التقهقر في المستويات الحياتية كلها أمر مبرر بغياب ما من شأنه أن يؤدي إلى إحداث خلخلة عميقة في ميزان هذه المنظومة . بحيث إن التعليم المغربي لم يخرج من أزمته الخانقة منذ عدة عقود باعتبار أن كل المحاولات الإصلاحية باءت بالإخفاق بسبب السياسات و التدابير المرتجلة على مستوى الفعل والإنجاز ،زيادة على أن عدم ثبات الاختيارات والتردد في اتخاذ القرارات و هزالة المرجع العلمي للإصلاح وانتفاء البحث التربوي كلها تعتبر مقدمات لفشل الإصلاح . فبقولنا بان المغرب يحتل المراتب الأخيرة تقريبا متقدما على العراق واليمن والصومال التي تعرف مشاكل وحروبا وصراعات ،و بأن إجمالي الإنفاق العام على التعليم بنسبة تتأرجح بين 26و 30 بالمائة من ميزانية الدولة يحيلنا كل هذا إلى أن المبادرات الإصلاحية المتعاقبة لم ترقى إلى مستوى الإصلاح الحقيقي .
فالإيمان بإصلاح التعليم كمطلق ويقين أوحد وغاية وهدف يعتبر ضرورة ملحة في اتجاه التغيير الكامل في النظرة و الإستراتيجية ، و إلا سوف يأتي الدمار على المنظومة كلها و ما يترتب عليها من إعطاب المجتمع المغربي عقلا وروحا. فمركزية الإنسان المغربي لابد من اعتبارها غاية و من ثم فالإصلاح لابد له من الأخذ بعين الاعتبار تردي الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية لغالبية المعلمين و المتعلمين، وأن الهدف هو تحقيق فرص العيش الكريم من اجل النهضة بالعملية التعليمية ككل فلا إصلاح للهياكل بدون الاهتمام بالعمق ألا و هو الإنسان.
إن إصلاح التعليم مسألة صعبة لكنها ضرورة قصوى و مصلحة عليا ، لأن العبرة في العواقب وليست في الأماني والنوايا،فعمليات تقويم الميثاق الوطني للتربية والتكوين أبرزت الكثير من النقائص والارتجاجات المتعلقة بالأجرأة و التطبيق على ارض الواقع،مما سيمكن ما سمي بالبرنامج ألاستعجالي بالظهور باعتباره إجراءات تكميلية، هذا البرنامج الذي يؤسس لمبادئ التدبير الحديث و التغيير وذلك برفع جودة التعليم بمختلف أبعادها ،سنجد أنها من المحال أن تتحقق في ثلاث سنوات باعتبارها أهداف بعيدة المدى.وإذا نظرنا بعين الاعتبار الشديد إلى حقيقة أن ما سيترتب على التفكير الجدي و الموضوعي في التغيير الجذري في مقاربة المسألة التعليمية من نتائج هو مهم جداً،فإن ما أدى إليه وواكبه من خطابات لم يخرج عن إطار التنظير و بعيدا عن الواقع المعيش . فالنموذج القائم آن الأوان لتغييره بشكل جذري من اجل مواكبة العصر ،ولابد لعملية الإصلاح و التغيير من خبرات محلية وأصحاب تجارب تعليمية مهمة من اجل الاستفادة من تجاربهم الناجحة عوضا عن تطبيق نماذج خارجية أبانت عن ضحالتها و عدم جدواها .و كذلك لابد من الاستفادة من آراء واقتراحات جميع المتدخلين في العملية التعليمية والترحيب بها لخلق جو من الإصلاح المستمر والانفتاح لأي رأي جديد أو لمحة تطويرية من اجل إقرار نظام تعليمي متطور . كذلك لابد من انتقاء القيادات التعليمية بعناية فائقة، بحيث يرشح ذوي القدرات القيادية والفكرية والعلمية بمجال تطوير التعليم بدءا من وزير التعليم وحتى مدراء المدارس. وباعتبار التعليم مجاني فلابد من ان يكون شديد التميز و متصف بالجودة و ذلك بتشجيع الأنشطة المفجرة لإبداعات المتعلم و المعلم أيضا و جعل من التعليم عملية ممتعة غير شاقة.
فعندما تكون مردودية التلاميذ على مستوى المملكة متناسق من حيث الكفاءة، باعتبار تلميذ العاصمة مماثل لتلميذ القرية النائية ،و كذلك تشجيع الإبداع والابتكار المستند إلى توقعات إستراتيجية تتدخل فيه كل قطاعات الدولة ليساهم في التطور الاقتصادي والاجتماعي و تطوير الإمكانات التنافسية ،آنذاك يمكننا الحديث عن نجاح الإصلاح و دوران عجلة التغيير. فخطاب الملك الأخير ركز على مسألة التغيير في مقاربة الإشكال التعليمي بالمغرب و اعتبره مسألة بقاء ووجود، ففلسفة التعليم حسب الخطاب غاية في ذاته وليس وسيلة وهذا أهم ما يجب الالتفات إليه لمن يريد النمو والتطور و ذلك بنهج العمق والشمولية بدل التجريب المجاني. فالمردودية الداخلية وجب ان تتماشى مع درجة التكلفة المالية المرصودة و المجهود البشري المبذول ،و يعتبر مدى استيعاب وفهم محتويات المناهج وكيفية استخدام المعلومات الأساسية والمهارات الضرورية وتوظيفها لحل المشكلات في المجتمع أمرا حاسما في تطوير المنظومة التعليمية بالمملكة. فحاضر ومستقبل المغرب يتطلب منا أعلى درجة من درجات الشعور بالمسؤولية واحترام الذات والآخر ، و اعتبار الاستثمار في التعليم والأبحاث جزءا لا يتجزأ من رفاهية الدولة المغربية وتطوير الثروة البشرية و تنميتها . فالتعليم الجيد والصحة الممتازة ونوعية الحياة ونشاط الاقتصاد والمناخ السياسي المنفتح هو الذي سيصنع الدولة القوية