أعاد الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب إشكالية التعليم إلى الواجهة، ووضع الأصبع على الجرح الذي يجعل النظام التربوي يشكو من الأعطاب، جعلت منه آلة لتفريخ أشباه المتعلمين والعاطلين. وحدد الخطاب الملكي استراتيجة الإصلاح في نقطتين اثنتين، تتعلق الأولى بتفعيل ما تمت التوصية به خلال السنوات الأخيرة في إشارة إلى توصيات لجنة إصلاح التعليم، التي لم تجد طريقها إلى التطبيق السليم بسبب تقصير حكومي أحيانا أو غياب تجاوب الأطر التربوية أو اللامبالاة في التجاوب مع المشاريع الإصلاحية أحيانا أخرى، وتتصل الثانية بتجسيد ما توخاه الدستور الجديد بخصوص التعليم العصري والجيد، وتلك مهمة السلطة التنفيذية. إن الإصلاح الذي يدعو إليه الخطاب الملكي لا يروم تغيير البرامج، لأن العجز الذي يعاني منه التعليم لا يرتبط بها، كما دأب على الإيهام بذلك البعض، معتمدا منطق "طاحت الصمعة علكو الحجام"، وليست غايته إضافة مواد أو حذف أخرى لأن الخلل ليس في المادة الخام، فهي متوفرة، ولكن في القدرة على تحويل هذه المواد إلى مواد قابلة للتصنيع والاستعمال، وإنما يهدف إلى "إضفاء دلالات جديدة على عمل المدرس لقيامه برسالته النبيلة. فضلا عن تحويل المدرسة من فضاء يعتمد المنطق القائم أساسا على شحن الذاكرة ومراكمة المعارف. إلى منطق يتوخى صقل الحس النقدي. وتفعيل الذكاء. للانخراط في مجتمع المعرفة والتواصل". الخطاب الملكي يدرك جيدا أن تغيير البرامج والمقررات لا يخدم الإصلاح بقدر ما يثقل كاهل الأباء والأبناء والأسرة التربوية، الذين تحولوا جميعا إلى حقل تجارب للمقررات ليس خدمة للتعليم وإنما خدمة لواضعي المقررات ودور النشر والطبع. الخطاب الملكي يسير في اتجاه العمق، ويستهدف أن يصبح المدرس مدربا حقيقيا ( كوتش) يصنع الأبطال، لا مجرد معد بدني يقوي العضلات... تقوية العضلات، وهي هنا مقابل لمراكمة المعارف، أساسية، لكن أهم من ذلك إيجاد التمريرات والمراوغات وتسجيل الأهداف، وهو ما يحتاج إلى تفعيل الذكاء.
رشيد الأنباري