بقلم بليبط رضوان
17.08 .2012
هل من الضروري الكشف عن كل شيء كي يبلغ القارئ الفهم بالموضوع؟أم أن القارئ مدعو إلى بدل الجهد لهتك القناع عما يبطٌن النص من نوايا؟
سنتجول في رحلة عبر النصوص ؛ليس لأجل التحدث عنها،بل في محاولة للتحدث إليها أو بالأحرى معها (1 )،رغم أن" نقاد الأدب،بتحالف مع المحررين الحزبيين لا يتورعون عن استعمال البطاقة الحمراء،أو على الأقل،من أجل دعه يمر،دعه يعمل،إلى يوم القيامة". (2 )
في البدء أطلقنا العنان للرواية،كي تعبر عن نفسها؛عبر أساليبها المخاتلة،فاتشحت بالخجل وقلما ارتقت إلى تطلعات الجماعة التي عبرت عنها هنا أو هناك...هذا لا يعني بالضرورة أن كل النصوص الروائية احتشمت كغيرها التي أذعنت للسلطة وبايعت بانحناء...
سؤال الرواية إذا هو سؤال السلطة بامتياز،وفي الخطاب الروائي تتمفصل السلطة و المعرفة،مادام"الخطاب ينقل السلطة و ينتجها ويقويها (.. )يلغمها ويفجرها،يجعلها هزيلة ويسمح بإلغائها" (3 ).لكن الرواية العربية استعصمت بأساليب الحداثة ليفقد خطاب ضد السلطة بريقه،وليخفت صوت الجماعة العربية.
أما حداثتنا فلم تر النور بعد؛ذلك أنه لا حديث عن حداثة لا تطال الجانب السياسي،وهو الأمر الذي لم يسمح به عربيا،فانتكست الرواية وعملت السلطة من خلالها،بل غدت الرواية من"عناصر الجاهزية الاستراتيجية لعلاقات السلطة" (4 )،وهكذا برزت إلى الوجود رواية السلطة في مقابل رواية ضد السلطة،وليس فقط الرواية الديالوجية و رصيفتها المنولوجية إذا اعتمدنا الإيديولوجيا معيارا للتصنيف (5 ).
في بداية الرحلة نرسو عند "جزيرة العين" (6 )،ليكشف صاحبها عن شعورالخيبة الذي ينتاب إحدى القوى الفاعلة حينما يوقن"أنه لا يوجد بين الناس شخص واحد يستحق أن تتحمل صفعة يد واحدة من أجله أو تدخل السجن أو تقدم للمحاكمة.." (7 )،وبالرغم من ذلك فإنه يبوح قدر المستطاع من خلال شخصية زند هاريوح الذي تحول من كركوزة نموذجية تلعب دور النقابي العميل إلى سلطة تسلط على رؤوس المخاليق بالجزيرة،ليس غريبا أن يسيطر زند هاريوح عن جزيرة العين،بعدما باع نفسه للشيطان وباع معها إنسانيته كما يقول"لقد شعرت في البداية أني كلب،كلب من كلاب الدوار الحقيرة،وأن كل الحاضرين مثلي كلاب حقيرة،كلاب مريضة،مصابة بداء مجهول.وشعرت وأنا أتفحص وجوههم أنه قد بدأت تنبت لهم أنياب طويلة كتلك التي للكلاب،كتلك التي لدراكولا،ورأيتهم يشرعون في عض الناس (... )أولا أكلوني أنا ورفاقي الطالعين من تحت،ثم أكلوا بعضهم،وأخيرا دخلت كلاب من الخارج تحمل أسماء أجنبية وظلت تنبح حتى انطفأ الضوء. (8 )بعد انطفاء الضوء لن نعيش إلا العتمة التي تكسب الجنون مصداقيته،لن تقوم للأقلام قائمة ف :
"ليس للأقلام لون ،
للأقلام فقط حجم صارم يتحدى.
ليس للأقلام قلب،إحساس أو حرارة،
كل الأقلام باردة كالثلج،كالجليد،كالخشب المقطوع،كالشجر الميت... (9 )
ومرورا بمكارطو أو خروب القيامة (10 )تفوح رائحة الجنة مسكا،دما ينبجس من روح شامة وفخرا يُتأبب به لبطولات عياد العشي؛إنها شخصية المقاوم الحق الذي لم يكن يساوم من أجل وطنه،ولا ينتظر الجزاء والشكور لأنه يرفض أن يضع الفرنسي أقدامه الملوثة عل أرض الوطن.بكل شجاعة قاتل العشي وبنطاهر ومنصور في الداخل و عند التخوم وحاصروا الموانئ؛لم يتوقعوا ولا خطر لهم بالبال أنه في "الهنا" من هم قادرون على التوقيع على موتهم،و إدخال الفرنسيس إلى أرضهم حتى يصبحوا زعماء (11 ). حتى الطفل عبد السلام لم يكن ليسمح لكلب أجنبي عن مكارطو بالدخول إلى جنة الخروب،ليطارده كالقدر "مطاردة صامتة بالحجارة،والكلب لا يلتفت حتى لا يفقد خيط لهاثه،التفاتة ستجعل الرهبة أشد سلطة على القلب والرئة رغم الضربات التي تصيبه من حين لآخر". (12 )
بسقوط عبو الريح،وأحمد بن موسى وأمثالهما،لن يكون أمام أحفاد مولاي علي وسيدي الطاهر وبويا خليفة إلا مواصلة الكفاح هنا...هناك، ولو كانت ماما غولة لهم بالمرصاد،فالويل لمن شاءت له الأقدارأن يكون مرشحا للقائها كي" تعلقه من رجل واحدة إلى حبل متدل من السقف،ككبش مسلوخ معد للسلخ..." (13 ). لكن حال صاحب الماما غولة لن يكون فيما بعد أسوأ من حال غيره ممن سيتواعدون مع الجلادة دون موعد سابق.
تصل المركب التي أطلق عليها اسم "رواية"إلى أحد المرافئ العربية؛سها البال عن مكانه،ترسو هناك للتزود بالمؤونة،لكن الربان يبلغ من قبل القراصنة بأن بعض الروائيين قد اختطفوا ،وهم الآن في حكم الغائبين أو المغيبين.ذلك ما جعل مفتي الديار يدعو إلى صلاة الغائب...
الهوامش:
(1 )تزفيتان تودوروف،نقد النقد،ترجمة سامي سويدان،منشورات مركز الإنماء القومي بيروت،ط1 ،1986 ،ص148 .
" (2 )محمد الهرادي،ديك الشمال،رواية،منشورات الزمن،د.ط.2001 ،ص 6 .
(3 )ميشيل فوكو،إرادة المعرفة،ترجمة جورج أبي صالح،مراجعة وتقديم مطاع صفدي،مركز الإنماء القومي،بيروت،ط1 ،1990 ،ص 108109 .
(4 )الزواوي بغورة،مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو،المجلس الأعلى للثقافة،ط1،2000 ،ص143 .
(5 )حميد لحمداني،النقد الروائي و الإديولوجيا:من سوسيولوجيا الرواية إلى سوسيولوجيا النص الروائي،المركز الثقافي العربي،البيضاءبيروت،ط1، 1990
(6 )الميلودي شغموم،الضلع...والجزيرة،روايتان،دار الحقائق للطباعة والنشر والتوزيعبيروتلبنان،ط 1 ،1980
(7 )نفسه، ص12
(8 )نفسه ص27.
(9 )نفسه،ص 34 .
(10 )شعيب حليفي، رائحة الجنة،رواية،منشورات الرابطةالبيضاء،ط1 ،1996
(11 )نفسه،ص 19 .
(12 )نفسه،ص11 .
(13 )بنسالم حميش،معذبتي،دار الشروق القاهرةمصر،ط1 ،يناير2010 ،ص107 ،بتصرف.