من الغباء الاعتقاد أن البيعة مجرد انحناءة رأس، كما يرّوج لذلك بعض الذين يريدون اغتيال هوية أمة اختارت البيعة كل عام.
هناك من الذين في نفوسهم مرض، منْ يسعى إلى تبخيس هذا الفعل بمبررات هي أوهى من بيت العنكبوت من دون أن يقدم أي دليل مقنع غير ترديد عبارات مكرورة ترتدي شعار "الكرامة" . والسؤال هو أين تضيع الكرامة في فعل البيعة المهيب الذي ينال التقدير والإعجاب من طرف الجميع بما أنه يجسد نوعا من الخصوصية في أسس الحكم؟
في اليابان ينحي المواطنون للإمبراطور بكل إجلال واحترام، وفي بريطانيا تُقام الاحتفالات بمناسبة مرور نصف قرن على اعتلاء الملكة اليزابيت العرش من دون أن يُثار كل هذا الضجيج، الذي يتم اختلاقه، لا حماية لـ "الكرامة" من الذل والهوان كما يزعمون، وإنما من أجل استغلال فضاء الحرية الذي وفره الدستور الجديد من أجل التشويش على التقاليد والأعراف الموروثة، والتي لم تكن في أية لحظة تاريخية موضوع نقاش، مادام المغاربة دأبوا على تجسيد تعلقهم بالعرش عن طريق هذا الفعل: البيعة.
هناك من يستغل الدين من أجل انتقاد البيعة، تماما كما فعل أحمد الريسوني، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية، والذي رضع الكثير من حليب الوهابية في منابعه، ويريد أن يدشن عودته إلى المغرب بإثارة الغبار، الذي لن يعلق إلا بجلبابه.
وهناك من يريد أن ينفخ الروح في جثة حركة 20 فبراير عن طريق الدعوة إلى الاحتجاج عن الحدث.
لكن ما يستندون إليه جميعا لا يصمد أمام حقائق التاريخ، لأن البيعة هي جزء من تاريخ طويل ابتدأ مع مولاي إدريس الأول، وهو تاريخ ليس بمقدور المغاربة إلغاءه لأنه يجسد هويتهم التي بنوها خلال 14 قرنا.
و مهما استعرت محاولات التشويش على هذه اللحظة التاريخية، فإنها لن تنال من عزيمة المغاربة في الانحناء مادام هذا الفعل لا يروم الانتقاص من شأنهم بل الحفاظ عن التقاليد الموروثة منذ آلاف السنين، وتجديد الميثاق الذي يربطهم بالملك.
رشيد الأنباري