يدعي البعض أنه يعاني من عسر الهضم، لكنه في الواقع يشكو من مرض في القلب، أو هما معا...
مناسبة هذا الكلام أن بعض الباحثين لم يهضموا تصويت المغاربة على مشروع الدستور، فشرعت قلوبهم في إعطاء التفسيرات المغرضة، والتحليلات العقيمة عل وعسى أن يخفف ذلك عليهم من ألم الداء الذي تفاقم منذ مساء فاتح يوليوز، حين فاجأتهم نسبة المشاركة، ونسبة التصويت بنعم.
في هذا السياق ادعى أحد ما يسمى بـ "الباحثين" على قناة "تي في 5" أن "انتصار النظام قصير الأمد، وأن المظاهرات ستنطلق من جديد تحت تأثير مع يقع في العالم العربي"
لقد نسى هدا "الباحث"، و نسيت معه السيدة فاطمة أوفقير، أمرين اثنين، أولهما أن المسيرات المؤيدة للدستور انطلقت بالفعل منذ التصويت عليه. وثانيهما أن ما حدث بالمغرب أصبح أكثر تأثيرا في العالم العربي، وأصبح يمثل سقف مطالب العديد من الشعوب العربية التي خرجت للشارع من دون أن تفلح إلا في عد جثث القتلى وملء غرف السجون. ويكفيه ما صدر من بلاغات عن الحركات الاحتجاجية في بعض البلدان العربية مباشرة بعد هذا التصويت.
وفيما اختار بعض هذه التحاليل استشراف المستقبل والرجم بالغيب اختارت أخرى، خاصة تلك التي صدرت عن الذين فضلوا التكلم مع الصحافة الجزائرية، التي فتحت صفحاتها لكل "المارقين" هذه الأيام، (اختارت) توجيه انتقادات من طينة أخرى، تنبني أساسا على القفز على الحقيقة، في محاولة تضليل الشعب الجزائري، الذي لن تنطلي عليه الحيل، وليس أمام قصر المرادية إلا رفع قبضة العسكر عليه، وتلبية مطالبه في التغيير، أما الالتواء على الحقيقة، فلن يقنع القبائل بأن المغاربة تظاهروا ضد ترسيم الأمازيغية، ولن يقنع سكان العاصمة أن أشقاءهم "المروك" رفضوا تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول، وتوسيع صلاحيات البرلمان، واستقلال القضاء...
ومن الغريب جدا أن لا يجد المحاور ما يدعيه غير القول إن الدستور لم تواكبه استشارات واسعة وتم تنزيله من أعلى:
ألم تتشكل لجنة استشارية وآلية للمواكبة؟ ألم تقدم الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، بما في ذلك حركة 20 فبراير مقترحاتها لهذه اللجنة؟ ألم تعقد اللجنة أكثر من اجتماع؟ ألم يتم فتح وسائل الإعلام في وجه الجميع لكي يدلوا بدلوهم في الموضوع؟...
لا شك أن التغيير الذي حدث يزعج الجزائر، وجريدة "الوطن" بالذات، لذلك لم تجد بدا من الافتراء، لكنها كانت ذكية لأنها اختارت أكل الثوم بأفواه الآخرين ممن يقيمون بين ظهراننا.