وقبل سرد ما دار في مأدبة العشاء هذه، لابد من كشف طريقة سفر عبد القادر بليرج إلى أفغانستان. وبهذا الخصوص تأكد أنه خلال شهر غشت من سنة 2001 طلب “بليرج” من جزائري يدعى بنرابح بنيطو بتزكيته لدى أحد أعضاء تنظيم القاعدة، وتم له ذلك بعد تقديمه إلى شخص يدعى أبو سعد، وهو كردي يقيم ببروكسيل، يعتبر من قدماء المجاهدين في أفغانستان، وقد عمل هذا الأخير على بعث توصية لفائدة “بليرج” لدى القيادي بتنظيم القاعدة “أبو زبيدة الفلسطيني”. وبناء على هذه التوصية توجه عبد القادر بليرج إلى كراتشي الباكستانية عبر رحلة جوية تربط بين باريس وكراتشي، مرورا بالمنامة وأبو ظبي، ولدى وصوله زاره بالفندق الذي أقام فيه مواطنان سعوديان، وتمت هده الزيارة بتوصية من الكردي “أبو سعد”، ورافقاه السعوديان، عبر الطائرة، إلى المدينة الحدودية “كويتا” وفيها التقوا بمهربين باكستانيين أدخلوه التراب الأفغاني، وتم إيصاله غلى إحدى المضافات بقندهار، وبعدها وبتنسيق مع مسؤولي تلك المضافة تم إيصال عبد القادر بليرج إلى حيث يقيم “أبو زبيدة الفلسطيني”، وحين لقائه سلمه بليرج رسالة تزكية من الكردي “أبو سعد”.
وخلال مجالسته لأبي زبيدة الفلسطيني، كشف بليرج عن رغبته في لقاء كبار قياديي تنظيم القاعدة ليتشاور معهم حول طبيعة المهام التي ستسند إليه وإلى خليته و”إخوانه” في بلجيكا لفائدة تنظيم القاعدة. واستجاب أبو زبيدة الفلسطيني لرغبة وطلب بليرج، وعقد له لقاء مع المصري محمد عاطف، الملقب بـ”أبو حفص المصري”، وهو مساعد أسامة بن لادن. وقد لازم بليرج “أبو حفص المصري” بصفة دائمة بمضافة العرب بكابول، وخلال لقاءاتهما كلفه أبو حفص بالبحث في بلجيكا عن أشخاص لهم مؤهلات علمية في البيولوجيا والكيمياء، بهدف تنفيذ مشروع تنظيم القاعدة، والمتمثل في تصنيع أسلحة بيولويجة وكيماوية، كما أخبره أبو حفص المصري أن التنظيم يخطط لتنفيذ عمليات تفجيرية بتركيا وألمانيا، طالبا منه تقديم الدعم اللوجستيكي في هذا الإطار. كما طلب أبو حفص المصري من عبد القادر بليرج البحث عن مستثمرين عرب في أوروبا يرغبون في الاستثمار في ميدان استغلال مناجم المعادن الثمينة في أفغانستان، مخبرا إياه أنه سيرتب له موعدا مع وزير خارجية حكومة طالبان.
كان لأبي حفص المصري الدور المباشر في دعوة عبد القادر بليرج لحضور مأدبة عشاء إلى جانب زعيم تنظيم القادة، أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، وسيف العدل، والمصري، ومغربي وصفه بليرج بأنه كان يبلع حينها، أ ي خلال سنة 2001 من العمر 26 سنة، كان يقيم بألمانيا، يعتبر من المقربين من أسامة بن لادن، فهو مكلف بميدان الإعلاميات في تنظيم القاعدة.
خلال مأدبة العشاء تلك، عمد محمد عاطف، الملقب بـ”أبو حفص المصري”، إلى تقديم عبد القادر بليرج إلى أسامة بن لادن باسم “أبو ياسر”، وبأنه مجاهد قادم من بلجيكا. وفي تلك اللحظة خاطبه أيمن الظواهري مستفسرا عن ردود الفعل الصادرة عن الجالية المسلمة المتواجدة بالمهجر، إثر تنفيذ العمليات الجهادية من طرف تنظيم القاعدة، فأجابه “بليرج” أن أية عملية من هذا القبيل، والتي تستهدف أعداء الإسلام لا يمكن إلا أن تكون موضوع مباركة وترحيب من طرف المسلمين أينما كانوا.
خلال إقامته في أفغانستان وسع عبد القادر بليرج علاقته مع قياديين في تنظيم القاعدة، والتنظيمات الموالية لها، ومنها تنظيم “الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة”، إذ التقى بليرج هناك في أفغانستان كلا من محمد الكربوزي، ونور الدين نفيعا، الملقب بـ”أبو معاد”، وكريم أوطاح، والحسين الحسكي، وتمت اللقاءات بهم بمضافة مخصصة لهم في كابول، وكلهم عناصر قيادية في تنظيم “الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة”. وقد عمل بليرج على مناقشة موضوع الجهاد في المغرب. واتضح لعبد القادر بليرج من خلال النقاشات أن لهؤلاء، وحسب ما أخبروه به، استراتيجيتهم الجهادية بالمغرب، تتمثل في اعتماد خطة حرب الشوارع، وتنفيذ عمليات تفجيرية ضد مواقع حساسة من أجل إضعاف رموز النظام، غير أن بليرج أفصح لهم عن رفضه لهذه الإستراتيجية، معتبرا إياها خطة تقليدية لن تحقق لهم النتائج المرجوة، في غياب التنسيق مع الحركات الإسلامية الفاعلة على المستوى الوطني. موقف بليرج لم يُعجب قياديي “الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة”، بل إن بليرج لمس فيهم عدم الثقة فيه، مما دفعهم إلى وضع حد لأي توافق معه.
لقاءات عبد القادر بليرج مع محمد الكربوزي، جعلت هذه الأخير يرتب له لقاء مع مصطفى ستي مريم، الملقب بـ”أبو مصعب السوري”، وهو المسؤول السابق عن لجنة الإعلاميات بتنظيم القاعدة. وخلال لقاء بليرج مع أبو مصعب السوري، تحدث له هذا الأخير عن دور لجنة الإعلاميات بتنظيم القاعدة، وعن النشاط الإسلامي بأوروبا، والوضعية السائدة بأفغانستان. وفي نهاية اللقاء سلم أبو مصعب السوري لضيفه بليرج أقراصا مدمجة تتضمن مؤلفه “المقاومة الجهادية العالمية”.
انتهت رحل عبد القادر بليرج إلى أفغانستان، وكان ذلك نهاية سنة 2001، إذ سافر من كارتشي إلى باريس، عبر البحرين وأبو ظبي، ومن باريس ركب القطار عائدا إلى بروكسيل ببلجيكا.