|
|
|
|
|
أضيف في 07 غشت 2012 الساعة 07 : 10
محمد بن امحمد العلوي.
من خلال طرح دور الفاعلين في دول منطقة الساحل و شمال إفريقيا و تأثيرها في قضاياها الرئيسية ، نحاول أن نجيب عن تساؤل هام يكشف شكل وطبيعة أدوار هؤلاء الفاعلين في الفترة الأخيرة ، و ومدى تأثر هؤلاء بالتطورات التي شهدتها المنطقة منذ الانقلاب في مالي و سيطرة حركات إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ويبدو أن هؤلاء الفاعلين قد أصبحوا في مأزق شديد بالنظر إلى ما تمثله كل الخيارات المطروحة في التعامل مع الأزمة من مخاطر وتداعيات تهم المستقبل السياسي و الاقتصادي للمنطقة ،فالسماح لحركة أنصار الدين وحلفائها بمواصلة السيطرة على نحو ثلثي التراب المالي يستجلب واقعا مخيفا من نمو كيانات تضرب استقرار وأمن كل المنطقة و ما تمثله من تهديد على المستويات الجيوستراتيجية لدول الساحل و الصحراء و الإقليم المستفيدين و المتدخلين الآخرين . فرنسا و حسابات المصلحة و عندما نتحدث عن الفاعلين الرئيسيين في المسألة المالية نستحضر فرنسا بشكل خاص ، و التي انتبهت دوائر القرار لديها بأن مصالحها في خطر بعد استيلاء الإسلاميون المسلحون على مساحة واسعة من شمال مالي . و لقد وضع سيناريو الخيار العسكري على طاولة النقاش و مدى فعاليته ، فهناك رأي يؤكد على أنه سيفتح الباب واسعا أمام تداعيات جمة ومخاطر كثيرة لا أحد يعلم مداها،هذه التداعيات متعلقة بترابطات المصالح الحيوية لدول المنطقة و فرنسا و العمل على تأمينها و استقرارها . و عندما طرح الحل العسكري تم الحديث عن ضربة جوية من سلاح الجو الفرنسي و هنا يبرز إشكال التمويل الذي يتطلب تكاليف مادية باهظة، حيث إن ساعة واحدة من الطيران لمقاتلة من نوع ميراج تكلف ما بين 10 و13 ألف يورو و السرب يجب ألا يقل عن ست طائرات. أما الرأي الآخر فتأكيداته على أن التدخل العسكري في الشمال لن يجر المنطقة إلى حرب شاملة و ذلك باعتماد الحرب الخاطفة من اجل تحرير المدن الكبرى وإبعاد الجماعات المسلحة اتجاه الجبال والصحراء . و اعتمادا على هذا ففرنسا تؤكد على لسان وزير دفاعها جان ايف لودريان بان التدخل العسكري ضرورة ملحة و هي مستعدة لتدعم لقوات إفريقية في مالي دون المشاركة فيه بشكل مباشر،و فرنسا هنا ترتكز في قرارها القرار الذي صوت عليه مجلس الأمن و تدعم قوات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وأيضا قوات من الاتحاد الإفريقي من اجل تحقيق هذا التدخل . في الاتجاه ذاته تؤسس فرنسا لفكرة الاستقرار السياسي في العاصمة المالية باماكو بناء على قيام حكومة وحدة وطنية مدعومة بوسائل السيادة اللازمة سحبها على كل تراب مالي و خصوصا الشمال باعتبارها المكان المقلق. تخاف فرنسا من التدخل المباشر لما يشكل ذلك من فرص سانحة لمن يريد أن ينقل الحرب إلى النيجر وموريتانيا ونيجيريا. و من دون الدخول في متاهة الأدوار التي لعبتها فرنسا في أزمة مالي في تشجيع المطالب الانفصالية لـ'الحركة الوطنية لتحرير الأزواد'،مرورا إلى الانقلاب العسكري الذي قاده النقيب سونغو ضد الرئيس أمادو توماني توري ، فالمشكلة الآن يمكن أن تصبح عابرة للدول و بالتالي لابد من السيطرة عليها في المهد الجغرافي بإشراف إقليمي و أممي حماية للسيادة و قطع الطريق أمام الاتجار في هذا الإشكال حتى لا يتحول شمال مالي مركزا للإرهاب الدولي بشكل يفوق التصور و التوقع. الجزائر و الدور الاقليمي عندما يهدد أبرز قادة الجماعات الإسلامية في شمال مالي بالقيام بأعمال انتقامية ضد الدول التي تفكر في التدخل في مالي ،فهذا يعتبر تصعيدا في اتجاه عرض القوة و إبراز حجم التهديد من طرف العناصر المتشددة على دول المنطقة و أصحاب المصالح هناك . و ما خطف الدبلوماسيين الجزائريين في أبريل 2012مكونين من القنصل الجزائري بوعلام سياس ومساعديه الستة إلا تأكيدا على هذا المنحى ،و لقد أكد الوزير الأول احمد اويحيى في وقت سابق على الاختطاف بان الجزائر لا تحبذ التدخل هي أو أي قوة أخرى في وحدة وسلامة أراضي مالي مركزا على سلك منحى الحوار لحل الأزمة . و هذا التحفظ من طرف الجزائر في اتجاه الحسم العسكري جعل الجماعات الإسلامية في شمال مالي ترحب به ، و تثمن جماعة أنصار الدين هذا الموقف و تعتبره نابعا من خبرة الجزائر في التعاطي مع هذه الأمور . لكن منحى الجزائر سوف يتخذ بعدا آخر في اتجاه خيار الحل العسكري بالسماح لقواتها العسكرية بالقيام بعمليات قتالية خارج أراضيها ، و الابتعاد على رؤيتها القديمة الداعية بتكفل كل بلد بشؤونه الأمنية و ذلك بتأسيسها مع كل من وموريتانيا والنيجر ومالي وبوركينافاسو ما يسمى دول الميدان لمواجهة الاضطراب الأمني الخطير في منطقة أزواد. و الهدف هو منع تطور الوجود العسكري و الإيديولوجي للجماعات السلفية الجهادية و انتشارها في مناطق جديدة في كل من موريتانيا والنيجر ونيجيريا وبوركينافاسو.و تقضي الإجراءات الأمنية المتخذة في الحدود المشتركة بين إقليم أزواد وكل من الجزائر وموريتانيا وبوركينافاسو والنيجر، منع تسلل مسلحي الجماعات السلفية الجهادية و الأسلحة والتجهيزات خصوصا تلك المهربة من مخازن النظام السابق في ليبيا . وتعتبر الجزائر القوة الأهم والأكبر عسكريا و و لوجيستيا في حربها ضد المجموعات المسلحة في منطقة أزواد، وذلك بتنفيذها دوريات يومية و تغطية المسالك الصحراوية السرية. و يبدو أن هذه الخطوة من قبل الجزائر تمثل مؤشرا هاما على الخطورة التي باتت تؤرق صانعي القرار الدولي و الإقليمي في منطقة صحراء جنوب الجزائر شمال مالي على تخوم حدودها الجنوبية. فالخطر الداهم أضحى لا يعترف بحدود أو عرقيات و من ثم فالجزائر قد حسمت خيارها في أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وباتت تعتبر أن تجمع مقاتلي القاعدة في شمال مالي يشكل فرصة مواتية للقضاء عليهم وضربهم في عقر دارهم. و هذا التوجه من قبل السلطات الجزائرية لا يمكن فهمه إلا في إطار السعي الحثيث إلى البحث عن صيغ توفر فرصة لخروجها من حالة الاحتقان السياسي التي تعانيها الجزائر من 1992 ، وذلك لأن الإصلاحات السياسية التي قام بها الرئيس بوتفليقة في أبريل الماضي تعتبر محدودة وخوفه من اضطرابات هو في غنى عنها تأتيه من حيث لا يحتسب ، و أيضا الهروب إلى الأمام في قضية الحدود مع المملكة المغربية و حماية غير مباشرة للبوليساريو تصب في خانة خلق دور فعال لها في محاربة الإرهاب من اجل مقايضته بمصالح داخلية و إقليمية بشروط سياسية . فالجزائر الآن في مواجهة أكبر اختبارٍ إقليمي ودولي لها خصوصا و أن جماعة أنصار الدين تؤكد على لسان مسئولها الإعلامي سند ولد بوعمامة أنه لا وجود لأي دليل يؤكد أن موريتانيا والجزائر ومالي ستدعم تدخلا عسكريا خارجيا شمال مالي. الانعكاسات الإنسانية على صعيد آخر فعدم الاستقرار في مالي كان له انعكاسات كارثية على المستوى الإنساني ، بحيث حذرت المنظمة الألمانية لمكافحة الجوع على مستوى العالم من أن مأساة اللاجئين في مالي تزيد تفاقما و تواجه النقص الكبير في التمويل . فتوفير الملاجئ والمياه النظيفة والصرف الصحي السليم وخدمات الصحة الأساسية يحتاج إلى أموال و رغم تبرعات الولايات الأمريكية و قطر فالحاجة إلى الأموال لازال مطلبا ملحا ، فعدم إيجاد حل للأزمة السياسية في مالي سوف يودي بمئات الآلاف من الأشخاص الذين يعانون من القتال والجفاف . الذين تشردوا أو حوصروا بسبب القتال يعانون نقصا في الغذاء. فداخل أرجاء منطقة الساحل يوجد 18 مليون شخص يواجهون الجوع بسبب الجفاف وضعف المحاصيل الزراعية وأسراب الحشرات وارتفاع أسعار الغذاء. و هذا ماتياس موجه، المدير المسؤول عن برامج المساعدة في منظمة الإغاثة يصف الوضع بأنه مأساوي بحق. فأفغانستان و الصومال هما أكثر النماذج يمكن أن يصير إليها الوضع في مالي من فوضى وزعزعة الأمن و كذلك في منطقة غرب أفريقيا برمتها. خلاصات إن التماس طريق التفاهم والتحالفات تحسبا لأي تدخل دولي مباشر مطلب يدعم التعاون بين دول المنطقة و تقوية الجيش النظامي المالي، كذلك تجفيف منابع التمويل المستفيدة منه العناصر المتطرفة من تهريب و تجارة في المخدرات و الأشخاص و سلاح .فالمذابح والقتل والأعمال الهمجية التي تحدث في تمبكتو وتدمير المواقع الأثرية ، كلها أعمال تعجل في تآكل الإيديولوجية المتطرفة أمام البنية الشعبية المسالمة . و هذا يزيد من التأكيد على محاربة الفكر المتطرف بالتنمية و نشر العلم و العدل و محاربة الفقر و التهميش و نشر قيم العدالة الاجتماعية و عدم إعطاء الفرصة لتجار الحروب بالاستثمار في الجهل و الأمية.
|
|
2502 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|