محمد بن امحمد العلوي.
لقد كان سقوط النظام المصري السابق مناسبة سانحة لمن كانت له حسابات لم تسوى مع النجم الكوميدي عادل إمام ليتعرض لحملة شعواء من الانتقاد و التجريح ورفع الدعاوى أمام القضاء المصري من اجل الانتقام و أخده بما فات من علاقاته مع صناع القرار المصري .ومن الممكن ان تنتقده فنيا و تقنيا وتعلق على أعماله حسب رؤيتك و فلسفتك ،و ربما تتفق مع ما ذهب إليه في توصيل الفكرة و الدفاع عنها او تتعارض معه على طول الخط . لكن كلنا مارسنا الضحك مع أفلامه و مسرحياته فكان مبدعا في تعرية نواحي كثيرة من واقعنا و المغطى بوحل الخوف و اللامبالاة ، وعادل إمام مهما بالغت بعض الأقلام في النيل منه لأغراض لا يعرفها إلا كاتبها ومع ذلك يبقى فنانا محبوبا وموهوبا وعلى درجة كافية من الشهرة التي صقلها بكده و اجتهاده . وبعد ثلاثين سنة على غيابه أمام الشاشة الصغيرة يظهر متأنقا و متألقا في عمله الجديد فرقة ناجي عطا الله ، و من خلال العنوان نستشف أن العمل داخل الفريق يكون ممتعا و منتجا و الفرقة لكي تؤدي عملها على خير وجه لابد من إتقانها فن التواصل الجيد و الإيمان بالعمل المنوط بها .و هذا ما أدته فرقة عادل إمام الذي أعطبته إسرائيل في أرضه و ماله و أهله و ألحقت به هزائم ،فأراد الانتقام منها في الشيء الذي تعشقه و تقتل من اجله ألا و هو المال. زد على هذا ففرقة ناجي عطا الله كانت متنوعة المواهب و تتكامل فيما بينها و هذه رسالة الفكرة فحيث يكون التكامل يكمن الانتصار ،هذا الانتصار لكي يكتمل لابد له من محفزات عاطفية و مادية فالمال ليس غاية في حد ذاته كما يصور لنا المسلسل و لكن وسيلة لتحقيق غايات نبيلة .
و عندما نتحدث عن التوريث فالمسالة في غاية البساطة فهناك الممثل و هناك الفكرة العميقة التي لابد من نقلها إلى السطح و عدم غمرها في خضم من الانتقادات الجوفاء ،ففكرة المقاومة حاضرة في المسلسل بشكل مكثف و بأشكال متفاوتة فهناك مقاومة الإغراءات المادية و إعلاء كلمة الفضيلة و التعفف رغم الحاجة و هذا لمسناه في شخصيات عديدة سواء البطل الرياضي او أبوه، مقابل المنتفعين و المتكسبين من مواهب الغير بشكل يخجل منه الإنسان . إذن التوريث هنا لمعاني الاعتماد على الذات و التفاني في العمل و حب الأرض التي حبلت و أنجبت ، هذا التوريث لهذه القيم يأتي بعد عملية طويلة و مرهقة أمام طغيان معاني التفاهة الأخلاقية و الفنية . وعندما ننتقل الى شخوص العمل الفني نرى وجوها فنية تحمل أسماء تمتعنا مع فنها و تعلمنا مع أدائها فأصبحت أيقونات فنية رائعة ، فهناك نجلي عادل إمام رامي و محمد و أيضا ابن صلاح السعدني فهل وجود هؤلاء الأبناء في هذا العمل يمكن اعتباره توريثا فنيا ؟ و الإجابة على السؤال يتطلب نوعا من التحيز لمحراب الفن و الموهبة فهناك من الأعمال الفنية تعرض لتبقى إلى الأبد أو أنها تعرض لتتلف فيما بعد أو لتختفي من ذاكرة الناس و التاريخ ، و هذا ما يجعلنا نطمئن للذوق الرفيع فكما أن هناك دوقا في التأليف و الإخراج و التمثيل ،فهناك ذوق المتفرج عبر قارات واسعة من الثقافات و القيم و ساحات شاسعة من الذكاء الفني تكونت عبر تاريخ طويل من الشحذ و التراكم لا يمكن للتفاهة أن تمر أمامه بسرعة و بدون محاسبة .فتوريث الفنان لفنه شيء مطلوب و طبيعي ما دام الاحتكام إلى الموهبة و الإبداع مكفول للمتلقي بشكل ديمقراطي و بلا إكراه ، و لا يمكن لفنان يحترم فنه و يحترم المشاهد و يؤمن بسطوة الحكم التاريخي، لا يمكنه أن يغامر برصيده الذي عمل بجد و كد من اجل بقائه و أن يساهم في فرض ابنه لمجرد انه يريد ان يكرس الاسم الفني و يجعله في عقبه إلى يوم الدين .
فالفن هو الوحيد الذي يعبر عن الذات ويكشف المواهب و لا يمكن التعامل بمنطق التوريث السياسي في هذه المنطقة .فحساسية التذوق الجمالي الرفيع يوسع حيز الحق الديمقراطي في جعل العمل الفني ملكية عامة لا تحكمه سوى الكفاءة رغم الاسم أو النسب . ومن هنا يمكننا التأكيد على أن حاجة الناس اليوم إلى من يعطيهم الأمل في النهوض و العمل و الحب ،و هذا ما لمسته في عمل عادل إمام ، رغم ما اكتنف العمل من انتهاكات على المستوى التقني و الحوار و هذه مسالة طبيعية و قابلة للمعالجة و النقد البناء داخل إطار و لا تبخسوا الناس أشياءهم .فالمسلسل ابرز قيما من التنافسية و حب الوطن و الأم و النزاهة ،و هذه قيم أخلاقية و جمالية أيضا لابد من إشاعتها و العمل على توطيد أركانها داخل مجتمعاتنا و توريثها هو المطلب الأساسي .و لا يسعنا إلا أن نصفق للفنان عادل إمام الذي يعطي الفرصة للشباب الصاعد من اجل التعبير عن نفسه و إبراز مواهبه ، وهذا لا ينفي أن ننتقد مواقفه التي نرى انه بالغ في إبرازها و هنا يكمن الضعف الإنساني .لكن بسماحة و لطافة حتى يستفيد الكل و يتم إبداع حوار استفهامي حول مسائل وجودية عديدة من بينها الفن و الجمال.