لم يعد المغاربة بحاجة إلى قرائن وحجج من أجل أن يتأكدوا أنهم يعيشون في ظل نظام ديمقراطي يتم الاحتكام فيه إلى إرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع. وليسوا بلداء حتى تستعبدهم الأفكار التي اختارت أن ترسم باللون الأسود صورة "قاتمة" عن هذا الاختيار فقط لأن أصحابها لم يجدوا لهم موقعا أو موطئ قدم في مغرب يتحول بعمق، ويسير بكل ثقة نحو بناء المستقبل.
وحاشى لله أن يكون شعب بكامله مجرد شحاذين ومتسولين لمجرد أنه لم يتحول إلى أداة للتخريب والدوس على حضارة عمرها حوالي 14 قرنا، واختار أن لا يكون حرا بمعنى الذي يجول في خاطر البعض، لان هذا الشعب لم يرث الفتنة، وإذا كان من شيء يستعبده فهو الحفاظ على الاستقرار والتعايش الذي ساد طيلة قرون، ولم تعكر صفوه لا الأطماع الخارجية ولا القلائل الداخلية التي كانت آخرها ثورة بوحمارة الذي انتهى به الأمر داخل قفص.
وخلال هذا التاريخ الطويل لم ينتظر المغاربة من يرسم لهم الحدود الفاصلة بين العبودية والحرية، لأنهم يحفظون على ظهر قلب حكمة أفلاطون القائلة " كل فضيلة تتواجد بين رذيلتين "، وحافظوا على شعرة دقيقة بينهما من دون السقوط بين فكي الخنوع والسيبة، لأنهم يرفضون الطاعة لغير الله ولأولي الأمر، كما لا يقبلون بممارسة الاستعداء المجاني، الذي يتم، غالبا، بإيعاز من بعض المقربين، في الضفة الأخرى، الذين يمارسون أبشع أنواع الاستعباد على الناس، ضاربين بعرض الحائط ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، غير أن الاستعباد في مثل هذه الحالة يُمارس باسم الحرية، وتلك أبشع "طبائع الاستبداد".
لقد كتب جون جاك روسو (ت 1778م) في عقده الاجتماعي أن "دافع الشهوة المجرد هو عين العبودية في حين أن طاعة القانون الذي نسنّه بأنفسنا هي الحرية بعينها"، لكن "لا حرية بغير قوانين، ولا حرية عندما يكون أي شخص فوق القانون، والشعب الحر يطيع..."، وهذا هو الناموس الذي تنبني عليه الدول التي لا تحتاج إلى البحث عن اللؤلؤ في قاع البحر الميت، ولا حاجة بها إلى ذلك، مادامت لا تركن إلى الأشخاص بل تحتكم إلى الشرائع و "أصول الحكم".
إن خطر هؤلاء أشد لأنهم يبررون استبدادهم باسم الحرية، ويبحثون عن شرعية مفقودة، ويقسون على المجتمع لمجرد أن صوتهم لا يجد أي صدى، فأصابهم الإحباط.
رشيد الأنباري