محمد بن امحمد العلوي.
قضية الصحراء الآن بين يدي الأمين العام للأمم المتحدة و على مكتبه الخاص دون مبعوث له للمنطقة.و هذا يعتبر منعرجا آخر في هذه المسألة التي عمرت 37سنة ،و ما اعتراض المغرب على المنهجية المنحرفة التي نهجها المبعوث الاممي كريستوفر روس إلا تعبيرا صادقا على محاولات أطراف معينة على عدم إنصاف المغرب في مباشرة حقوقه السياسية و القانونية على أرضه. و عندما تنعدم تلك الشخصية المحترفة و المجمع عليها لخلافة روس فالإشراف الشخصي لبان كي مون أصبح مطلبا ملحا في اتجاه تصحيح المسار التفاوضي على ضوء المستجدات الأمنية و السياسية في المنطقة.و إدارة هذا الملف و تداول الأيادي و المنهجيات عليه حال دون الوصول إلى نقطة تقارب أو انعطافة نحو الحل الذي يرضي التاريخ و الجغرافيا ، و هذا التداول الطويل لقضية الصحراء المغربية على مستوى المحافل الدولية و أروقة الأمم المتحدة و الدول المتدخلة فيه جعله يكسب مناعة ضد الحل الأمثل .
فالخط الإستراتيجي الذي رسمه التاريخ السياسي و الديني على مستوى توطيد علاقات المغرب مع المماليك الإفريقية في الجنوب جعل من الصحراء المغربية جسر تواصل تجاري و ثقافي بين المغرب وإمبراطورية مالي ،هذا التواصل لا يمكن دحره بمجرد افتعال مشكل و خلق كيان من اجل تطويق الدور التاريخي للمغرب في المنطقة و الإقليم . و ما المساندة المغربية للجزائر في مراحل متأزمة من تاريخها مع الاستعمار الا تأكيد على جدية المغرب على الوقوف مع الحق رغم أن هذه المواقف المتعددة و النابعة من حسن نية كانت لها عواقب وخيمة على المستقبل السياسي الاقتصادي والاجتماعي للمغرب. فقول الهواري بومديين بأنه سوف يضع للمغرب حجرة في حدائه كناية على إشغال المملكة بموضوع يكون سببا في تعطيل السير اتجاه تعميق مبادئ الديمقراطية و التنمية ، و هذا ما سار عليه ورثته في الحكم و الفاتورة تدفعها شعوب المنطقة .و دائما ما كانت هناك صعوبة في التخلص من الآراء المضللة والهدامة التي تأتي على الأخضر و اليابس و التي تعاكس المجرى الطبيعي للتاريخ،و النتيجة إبقاء الصراع مفتوح ليزيده تعقيدا عدم الاستقرار وانتشار الجريمة والتشدد في مخيمات تندوف ويكفي التذكير بان أنصار الدين و الحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا ينحدر غالبية عناصرهما من مخيمات البوليساريو حسب مقال نشر في موقع وزارة الدفاع الإيطالية ،مما يدعو إلى القلق الكبير لدول المنطقة و الدول الغربية .
و من هنا لابد من التفكير بايجابية و فعالية في الحكم الذاتي المقترح من طرف المغرب تعبيرا منه على التعاطي الايجابي مع ملف وجودي و يتعلق بسيادته وذلك لتفعيل أي إتفاق مرحلي قادم ينهي الصراع بشكل توافقي.و عطفا على ما سبق لا يمكن اتهام المغرب بالتعنت اتجاه الحل السلمي للقضية ، و ذلك لانه و عبر استقراء المسار السياسي و التاريخ العسكري له لم يكن أبدا مهددا للسلم و الأمن في المنطقة أو العالم .أما فيما يخص الوحدة المغاربية فالمغرب كان سباقا إلى الدعوة إلى بناء اتحاد دول المغرب العربي و تفعيل هياكله بما يخدم البنية المجتمعية في اتجاه التكامل الاقتصادي و السياسي بناء على مقدمات تأكيدية في هذا الباب من تاريخ و لغة و مذهب موحد و عرق و ثقافة و هي من مقومات الوحدة .
فتحقيق الأمن و السلام و التنمية لا يتم عبر الضرب على أوتار لم تعد حساسة، فحكام الجزائر هم الحاضن الرئيسي لجبهة البوليساريو و لابد من يعوا بأن الأسلوب يعبر عن المضمون و يجب عليهم إدراك طبيعة التحول الذي يشهده العالم و المنطقة . و من ثم لا يمكن التعامل مع سياسات القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن العشرين ،و هذا يجعلنا نؤكد على حكام الجزائر بتبني وعي جديد منبثق من الرؤية الأخلاقية للديمقراطية و الشعور بالغير، و ذلك برؤية العالم و ما يدور فيه من حيث ما يراه الآخرون وهذا ما يؤدي إلى التحلي بروح المسئولية في التعامل مع ملف الصحراء و الحدود .و عندما نقرأ نتائج الانتخابات الأخيرة في الجزائر نرى أن تعاون حركة مجتمع السلم الجزائرية مع الحكومة مدة 17 عاماً قد أضرهم كثيراً ، وانتصار جبهة التحرير الوطني هو استمرارية حكم العسكر و عدم تغيير في السياسة الخارجية للجزائر في المنظور القريب .
و بالتالي فاستمرار الصراع حول الصحراء المغربية سوف يزيد من تهديد الأمن المغاربي، و اعطاء فرصة ذهبية لنشاطات تنظيم القاعدة وفرعها "القاعدة في بلاد المغرب العربي"؛ و ما يحدث الآن في مالي ما هو إلا مؤشر يخدم هذا الطرح . فلقد أصبحت المناطق المتاخمة للصحراء الغربية غير المراقبة مراكز رئيسية لتهريب المخدرات والأسلحة الاشخاص، وعدم الاستقرار وانتشار الجريمة والتشدد في مخيمات تندوف. و من هنا التذكير بان المغرب والجزائر يمكنهما تجنيب المنطقة الانزلاق إلى الفوضى و ذلك باستدعاء التاريخ الايجابي بين الطرفين و إفراز كيمياء الثقة بينهما ، ونرى أن المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي للصحراء الغربية أولى الخطوات نحو إيجاد حل للمشكلة.
و لقد سار المغرب في اتجاه ترسيخ الممارسة الديمقراطية و العمل على توسيع بنية التضامن كوسيلة لتسخير وإدارة وابتكار آليات لمساءلة الواقع المغربي و محاولة تطوير بنيته المجتمعية اقتصاديا و سياسيا و ثقافيا . و في نفس الإطار لابد من الدعوة بالاستمرار في الاستعانة بهذا العدد الكبير والمتنوع من الفاعلين الدوليين المهتمين بقضيتنا المغربية لتنشيط شبكة من التفاعلات السريعة بين فاعلين رسميين على المستوى السياسي و الدبلوماسي ، وغير رسميين على المستويات الاقتصادية والثقافية، وذلك من اجل التمكن من تحقيق الأهداف المرجوة و تثمين الاجتهادات التي تعني باستشراف السيناريوهات المستقبلية المحتملة من اجل امن و رفاهية المغرب و المنطقة .