ميمون أم العيد
عندما يخبرك مغربي بأن في ملتقى الطرق الفلاني رجل أمن "مزيان " فمعنى ذلك أن هذا الشرطي أو الدركي يتغاضى عن مخالفات السير، أو على الأقل مستعد لتسوية المخالفة وحلها خارج القانون المكتوب .
عندما يخبرك تلميذ بأن هذا الأستاذ 'مزيان ' فمعنى ذلك أنه يتساهل مع التلاميذ في واجباتهم المنزلية وليس صارما ويتغاضى عن الغشاشين أو يساعدهم على ذلك.
المدير المزيان (أو الله يعمرها دار في رواية أخرى ) هو الذي يسمح لمرؤوسيه بالتغيب ولا يبلغ عن أخطائهم ولا تأخراتهم.
المسؤول المزيان في ذهنية الفاسد من هذا الشعب هو ذلك الذي لا يطبق القانون والذي يمكن دائما أن يجد حلا خارج القانون لأي ورطة.
كل هذا ينطبق على القاضي المزيان ووكيل الملك المزيان والقايد المزيان والباشا المزيان والموظف المزيان..
تجد الرجل ينادي علانية بالصرامة في تطبيق القانون دون رحمة ودون تمييز، لكن ما أن يقع في ورطة حتى يبحث عن السبل ليجد ذلك الشخص ' المزيان ' الذي يملك مفاتيح الأمور ويخرجه من الورطة دون إعمال القانون.
ما أكثر الأشخاص النزهاء الذي تقلدوا المسؤوليات المهمة أو التافهة وحاولوا أن يكونوا نزهاء شريفين يحتكمون إلى ضميرهم، لكنهم يتصادمون دوما مع هذا المجتمع الذي يريدهم أن يكونوا مزيانين والله يعمرها دار. فيصبحون أمام خيار من إثنين :
إما أن يطاوعوا المجتمع ويصيروا مزيانين كما أريد لهم، وإما أن يتشبتوا بنزهاتهم والإحتكام إلى ضميرهم فتحاك ضدهم الدسائس ويزج بهم في غياهب السجن أو خارج محيط المنعمين، فالزملاء المزيانين لا تعوزهم السبل والطرق لإخضاع الآخرين لمنطقهم.
عندما نرى في وسائل الإعلام حاكما غربيا تُعجبنا كلماته و بساطة خُطبه، وتسحرنا مفرداته البسيطة التي تصلنا ويكون لها وقع على عاطفتنا، نحكم بلا وعي بنزاهته و عدله، فنحبه و نتمناه حاكما لنا، راكبا على ظهورنا بدل هؤلاء الذين يحكموننا، هولاء الذين لا نفهم خطبهم الطويلة ولا نطيق النظر إلى وجوههم.
لكننا لم نتساءل يوما هل ستصلح أحولانا لو أن أعدل حاكم في الغرب حكمنا وسلمناه مقاليد شؤوننا و مفاتيح خزائننا؟ فهل ستتغير أمورنا وينقذنا من هذا الوحل الذي يحيط بنا؟
لا أعتقد أننا سوف نتقدم قيد أنملة فالفساد مستشر فينا من أصغر حارس بأتفه مؤسسة إلى رأس الهرم، نعلم أطفالنا الغش في المدارس وفي الشارع وفي كل المرافق، نصنع منهم أجيالا انتهازية لا ترى سوى مصالحها ويذهب الباقي للجحيم.
حتى نضالنا نضال عشائري كل فئة تبحث عن طريقة ضغط لتحقيق مطالبها دون مراعاة للآخرين ولا مراعاة للوطن ولا لأي مصلحة عليا.
حتى وإن جادلت المرء بأن هذه الطريقة في تحقيق المطالب ليست شرعية و أنه يجب أن يتم احترام القانون فيقول لك : علاش غير أنا؟ وبأن لا بد من التصرف هكذا في منظومة فاسدة وفي مجتمع تغيب فيه شروط العدل. إنهم سبب فسادنا.
فتبقى حائرا من سبب فساد الآخر ؟ هل المسؤول هو سبب فساد المواطن أم أن المواطن سبب فساد المسؤول؟ إن المسألة لا تختلف كثيرا عن من سبق الآخر إلى الوجود البيضة أم الدجاجة.
ما أنا مقتنع به هو أننا جميعا يجب أن نحارب الفساد في أنفسنا فالفساد ليس شخصا أو حزبا أو طائفة، كي تتم محاصرته والقضاء عليه، الفساد نمط عيش وأسلوب حياة خلفته سنين طويلة من حكم مخزن فاسد يبحث عن وسائل للشرعية ولو الفاسدة منها.
oumelaid@gmail.com