احمد الدافري
في كل معاهد الصحافة والإعلام في العالم، يفسّر الأساتذة لطلبتهم بأن الإعلامي لا يمكن أن ينجح في مهمته الصعبة والمؤثرة إلا إذا كان منضبطا لشروط الحياد والموضوعية، وأن لا يجعل من نفسه طرفا في حدث أو قضية معينة. بمعنى، أن الإعلامي الفعلي هو الذي يسعى إلى تنوير الناس من خلال البحث عن الحقيقة حتى لو كانت هذه الحقيقة تتعارض مع قناعاته الدينية ومعتقداته السياسية والإيديولوجية، إذ أن الهدف الأسمى للإعلام هو تقديم الخبر كما هو، اعتمادا على أدوات التحقق ووسائل التقصي المعروفة، حتى لا يتحول الخبر إلى مجرد إشاعة و أكذوبة.
لكن، يبدو أن هناك فئة من الإعلاميين غير معنيين بكل هذه الضوابط المتعلقة بالمهنة، ولا يهمهم إن كان ما يروجونه وقائع صادقة وأخبارا موثوقة، بقدر ما يهمهم أن يظلوا عبيدا في خدمة أجندات مُشغليهم، ولعل أحمد منصور واحد من هذه الفئة من الُمسخرين لخدمة أجندات المشغلين، الذين تسللوا إلى مجال الإعلام التلفزيوني من بوابة الإخوان المسلمين. ليس مرفوضا أن يأتي أحمد منصور إلى المغرب تلبية للدعوة التي وجهها له حزب العدالة والتنمية لحضور المؤتمر الوطني السابع لهذا الحزب الذي انعقد يومي أمس وأول أمس. فمن حقه أن يأتي إلى بلد مفتوح في وجه كل مخلوقات الدنيا، ليشارك أشقاءه في الإيديولوجيا نشاطهم الحزبي. ومن حق الحزب الإسلامي المغربي أن يوجه له الدعوة لأنه يرى فيه حليفا استراتيجيا في مجال البروباغاندا الإعلامية للحزب.
لكن ما هو مرفوض على الإطلاق هو أن يسمح وزير الاتصال، القيادي في هذا الحزب، لهذا الشخص باستغلال فرصة وجوده في المغرب لتصوير برنامج مع وزيرة من العدالة والتنمية لفائدة قناة تم منعها من العمل في المغرب في أكتوبر 2010، وتم سحب اعتمادات مراسليها بشكل نهائي، وقال فيها خالد الناصري وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة السابقة كلاما حاسما لا رجعة فيه، عندما صرح للصحفيين قائلا :"لا عودة لقناة الجزيرة إلى العمل في المغرب إلا إذا اعتذرت للمغاربة علانية وأمام الملأ" مضيفا بأن هذه القناة تتصرف بعيدا عن المهنية الإعلامية وأن ما تقوم به عبارة عن إهانة يومية للمغاربة، وأن الرأي العام المغربي ينوه بإجماع بقرار المنع.
صحيح أن قناة الجزيرة قدمت طلبا لمعاودة العمل في المغرب توصل به وزير الاتصال، إلى جانب طلبات قنوات أخرى مثل "سكاي نيوز" وقناة "بلومبيرغ". لكننا نعلم أن القناة الوحيدة التي رخصت لها الوزارة بالعمل في المغرب هي قناة "سكاي نيوز"، حسب تصريح أدلى به الوزير مصطفى الخلفي للصحافة. أما قناة الجزيرة فقد قال الوزير بخصوصها في التصريح ذاته بأن الحوار لازال مستمرا مع إدارتها من أجل التوصل إلى حل مثمر.
فهل الحوار الذي تحدث عنه الوزير لم يثمر إلا عندما حان موعد عقد المؤتمر السابع لحزب العدالة والتنمية، ليُتوج باستضافة الوزيرة الإسلامية بسيمة الحقاوي في برنامج "بلا حدود" من قبل الإخواني أحمد منصور؟ أحمد منصور، في هذا البرنامج، نزع عنه رداء الإعلامي المُحايد، وارتدى جبة الإسلامي المدافع عن أخلاق المغاربة، ووجه للمختار لغزيوي رئيس تحرير جريدتنا "الأحداث المغربية" تهما ثقيلة، ناعتا إياه بالداعي إلى انتشار القيم الفاسدة في مجتمع دينُه هو الإسلام، وواصفا إياه بكونه خارجا عن الإجماع المغربي في قضية تتعلق بالحريات الفردية، علما أن كل القوى الحية في البلاد، التي تؤمن بالحرية والمسؤولية والديمقراطية وحقوق الإنسان، قد عبرت عن مواقفها صراحة برسائل التضامن مع لغزيوي التي نشرتها الجريدة ولازالت تنشرها.
الإخواني أحمد منصور، بتواطؤ مع الجهة التي سمحت له بإجراء هذا الحوار، زاغ بشكل وقح عن الأهداف النبيلة التي يقوم عليها الإعلام الحر والنزيه، من خلال تحاشيه الإشارة إلى مواقف التضامن التي عبر عنها المجتمع المدني المتنور مع رئيس تحرير الجريدة، وهو بذلك خرق مبدأ "الرأي والرأي الآخر" الذي تتبجح قناته بتبنيه في خطها التحريري، فوالله وتالله وبالله إن هذا السلوك لا مثيل له في رداءة إعلام المنافقين.