عاد الزميل المختار لغزيوي رئيس تحرير جريدة " الأحداث المغربية " إلى الحديث مجددا عن موضوع الحرية الجنسية ، و الحوار الذي أجرته معه قناة الميادين ، و ذلك من خلال مقال صحفي آخر ، يعلن فيه " اعتذاره " للشعب المغربي الذي لم يستسغ فهمه الخاص جدا لقيمة الحرية . و هكذا استهل الصحفي المحترم خطابه " الاعتذاري " كما يلي : أعتذر للشعب المغربي الهمام لأنني جرحت مشاعره .. أعتذر لأنني دافعت عن الحرية و قلت بالحرف : " أحترم حرية أمي و أختي و ابنتي في أن يفعلن ما يلازم حريتهن " . أسحب هذه الجملة فورا و أتبنى جملة أخرى لكي يرضى الشعب العظيم ؛ أنا لا أحترم حرية أمي و ابنتي و أختي .." . و دون التوقف عند البناء المعجمي و النسيج الأسلوبى للمقال ، و المشيرات اللغوية الحافلة بالسخرية و النزعة الكاريكاتيرية المرفوضة في الصياغة الصحفية المسؤولة ،
و بقراءة خاطفة نستنتج دون عناء يذكر ، أن الكاتب مصر على موقفه و وجهة نظره حول موضوع " الحريات الفردية " . و له كامل الحق في ذلك ، شريطة أن يحترم هو نفسه الآراء المخالفة و أن يجعل من جريدته ميدانا حقيقيا للمواقف و التصورات المتقاطعة و الاتجاهات و الاتجاهات المعاكسة ، و ألا تقتصر على إظهار صوت و إخفاء آخر !
و الواقع أنني أنطلق من قناعة وجودية مفادها أن الحرية من أنبل و أعظم القيم الإنسانية الخالدة ، لقد أشادت بها مختلف الديانات السماوية و المذاهب الفلسفية و الفنية ، و المساهمات البشرية في الثقافات الكونية عبر المراحل التاريخية ! و لأهمية الحرية و وظيفتها المحرقية في تقدم الأمم و رقيها ، ضحى من أجلها رجال الفكر و السياسة و واجهوا ضروبا من المحن و الويلات .. لنؤكد منذ البداية أننا مع الأخ لغزيوي في دفاعه المستميت عن حرية الأفراد و الجماعات ، و عن حق الجميع في التعبير عن الرأي ، لأن الحرية هي الأصل " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ! " . لكن أين الاختلاف ؟ يكمن هذا الاختلاف في النظرة الضيقة التي تحملها فئة مجتمعية محدودة و مجهرية إزاء الحرية ، فهي بالنسبة لها / الفئة الاجتماعية ، حرية جزئية تكاد تقتصر على الحياة الفردية و السلوك الذاتي للفرد ، و التجرد من القواعد الأخلاقية و الدينية ، من قبيل المناداة بالممارسة الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج ، و المثلية الجنسية و الاستهزاء بالقيم الدينية و الحضارية للشعب و الأمة .. أما الحرية التي نطالب بها و نلح على ذلك، فهى حرية أكبر و أرقى و أجدى ! إنها الحرية في طلب الكلمة و الدفاع عن الكرامة و العدل و المساواة ، إنها الحرية في إنجاز نسق سياسي يضمن الفصل بين السلطات ، و الحرية في امتلاك وسائل إعلام متطورة تعمل على نشر الرأي و الرأي الآخر ، إنها الحرية في المطالبة بإقامة المعاهد العليا و المؤسسات التعليمية عالية الجودة ، لتطوير البحث العلمي و تشجيع الابتكار التكنولوجي ، إنها الحرية في بذل كل التضحيات بغاية تحقيق إقلاع تنموي هادف و بناء ، إنها الحرية في المطالبة بمراقبة و محاسبة مبذري المال العام ، إنها الحرية في المطالبة بالحرية بمعناها النبيل ؛ حيث الحق و الخير و الجمال . و تاسيسا على ما سبق فنحن مع زميلنا المختار لغزيوي في دفاعه عن حرية أمه و ابنته و أخته ، لكن في الانكباب على المعرفة و العلوم و إغناء الذات بالمعارف الهادفة ، و المساهمة في بناء صرح المجتمع و الدفع به نحو الأفضل .. هذا جانب من الفرق الهائل بين النظرة الميكروسكوبية للحرية غير المسؤولة ، و بين النظرة الشمولية التي تستحضر في الإنسان أبعاده المادية و المعنوية ، و تعتبره كائنا مكرما قادرا على إعمار الأرض عدلا و خيرا و نماء ! !
الأستاذ : الصادق بنعلال – باحث في قضايا الفكر و السياسة
Sadik.benallal@live.fr