|
|
|
|
|
أضيف في 16 يوليوز 2012 الساعة 16 : 12
محمد بن امحمد العلوي.
مقدمة
إن من ارتدادات زلزال سقوط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي على منطقة الساحل و الصحراء نشوء دولة أزواد التي كانت ولادتها في السادس من أبريل بعد انقلاب 22 مارس في مالي ،والذي أطاح بالرئيس حمادو توماني توري الذي لجأ إلى السنغال بتدخل دولي من مجموعة غرب إفريقيا الذين ضغطوا على الانقلابيين في مالي . وتتألف مجموعة الانقلابيين من خليط يجمع الطوارق العلمانيين وأنصار الدين وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا ،لتكون النتيجة بعد الانقلاب هي تراجع هيبة الحكومة المركزية في باماكو . و تعتبر أزَواد منطقة صحراوية في الطرف الجنوبي الغربي للصحراء الكبرى و تشمل أجزاء من شمال مالي وتحديدا منطقة كيدال وشمال النيجر كما في منطقتي تاهوا وأغاديس وأجزاء بسيطة من جنوب الجزائر، ويشكل جزءا من الساحل والصحراء الأفريقية .فمن هم اللاعبون الحقيقيون على الارض المالية ؟ و كيف نقرأ التحركات العسكرية و التنظيمية للحركات المتشددة ؟ و ما الدوافع و الأسباب و هل من مخرج من الأزمة الحالية التي تعصف ببلاد 300 ولي؟
1 الرقعة و البيادق
تبرز حركة أنصار الدين في المشهد السياسي و العسكري في هذه المنطقة كلاعب أساسي و خطير ،فلقد كان قائدها إياد غالي اقرب إلى الفكر القومي الوطني منه إلى الفكر الإسلامي لينتهي به المطاف إلى اعتناق الفكر السلفي الجهادي .ومع سقوط نظام العقيد الليبي عاد الرجل إلى ازواد واتخذ من سلسلة جبال اغارغا مقرا له وبدأ في تجميع المقاتلين الطوارق ، و اتخذت الحركة تطبيق الشريعة الإسلامية شعارا لها تأكيدا على أنها ستعيد رد الاعتبار لمكانة علماء الدين ،فضلا عن مطالب محلية تتعلق بحرية وحقوق سكان أزواد . في حين تشكلت الحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA ) من قوميين وليبراليين ومستقلين، وآخرين بلا انتماء أيديولوجي. و لقد حاولت الحركة الترويج لنفسها كممثل جامع لكل سكان الإقليم بمن فيهم العرب والفولان والسونغاي زيادة على الطوارق ، لكن الواقع السياسي و الاجتماعي يخرج عن هذه المنطقة المثالية ليعطي بعدا آخر قوامه ما هو قومي قبلي.إذ أن الأغلبية من مقاتلي الحركة ينتمون إلى قبائل "الأيدينان" الطوارقية التي أسندت لها أسندت القيادة العسكرية، تحت قيادة الضابط السابق في الجيش الليبي محمد ناجم .أما حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي تأسست في أكتوبرعام 2011 فقد ظهرت إثر انشقاق قادتها عن تنظيم القاعدة ،ويقودها سلطان ولد بادي الذي ينتمي إلى المجتمع العربي في أزواد، وبمعيته الناشط الموريتاني السابق في القاعدة حماد ولد محمد الخير المكنى أبو القعقاع ، لتصبح الحركة بذلك واجهة للتيار السلفي الجهادي في المجموعات العربية بأزواد . وتمت سيطرة حركة أنصار الدين على مدينة كيدال في أقصى الشمال المالي، بعد أيام من حصارها، في حين أن حركة الجهاد والتوحيد هي من تولت السيطرة على غاو. ولقد نشبت خلافات بين الطوارق ممثلين في الحركة الوطنية لتحرير الأزواد ، وحليفتها السابقة جماعة أنصار الدين التي تمكنت من بسط سيطرتها منفردة على الشمال، بعد معارك واسعة بين الطرفين في الأسبوع الأخير من يونيو 2012 مما ضرب التحالف الهش .
2 السيطرة و صناعة الخوف
إن الخلاف بين الحركة الوطنية لتحرير الأزواد و جماعة أنصار الدين عميق جدا، و هنا يؤكد سند بن بوعمامة التنبكتي القيادي في حركة أنصار الدين ، رفضهم للأدبيات السياسية التي ترتكز عليها الحركة الوطنية لتحرير أزواد من ديمقراطية و الاحتكام للشرعية الدولية و نبذ العنف و الإرهاب بكل تلويناته ،و هنا يبرز الاختلاف في الأهداف و الوسائل بين أنصار الدين و الحركة الوطنية . فحركة أنصار الدين بدأت في تطبيق برنامجها بمنع الكحول وإغلاق الحانات وإحراق بيوت المسيحيين وإرجاع النساء إلى جادة الصواب حسب قولهم، و هي متسلحة تسليحاً عالياً من السلاح المنهوب أو المشترى بالواسطة من مخازن النظام الليبي السابق. لتكتمل حلقة التشدد عند أنصار الدين بإقدامهم على تدمير سبعة مزارات لأولياء مسلمين من تمبكتو من أصل 16 مزاراً وبوابة لا تفتح لأحد. وهذا يرجع بالذاكرة السياسية و التاريخية إلى ما حدث في أفغانستان من قبل حركة طالبان التي دمرت التماثيل البوذية في باميان في وسط البلاد ،و هنا يكمن الخوف من العمليات النوعية التي من الممكن أن تهدد الدول الإقليمية المجاورة . و نعتبر أن عملية هدم الأضرحة في تلك المنطقة الأثرية ما هي إلا رسائل مبطنة توحي بان تنظيم القاعدة لازال موجودا نشطا إيديولوجيا و عسكريا ،و يمكن للقاعدة في المغرب الإسلامي أن تتحمل القيام بأنشطة حرب عصابات خفيفة في مثل هذه البيئة الملائمة التي تعاني من ضعف الهياكل الاقتصادية و التنموية.و لقد استفادت في نشاطها المتمثل في تهريب السلاح و البشر و المخدرات في هذه المنطقة التي تعتبرها عمقا استراتيجيا تستطيع من خلاله تنظيم صفوفها عسكريا ، ودعم وضعها المادي الذي تأثر بتعدد الجبهات التي خاضتها و تخوضها على عدة مستويات . و يعتبر هذا الملاذ للجماعات المتطرفة الذي يتشكل على امتداد شاسع من المساحات غير المراقبة باعتبار ضعف الدولة المركزية ،و هذا ما يهدد بتحول المنطقة إلى أرض نائية خارجة عن نطاق السيطرة، تشبه إلى حد كبير المناطق النائية في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن. وقد رفض حل التدخل العسكري سواء من قبل الدول الإقليمية أو الدولية وهذا ما يستدعي حلولا أخرى تقارب ما هو سياسي و اقتصادي و تدخلات على مستوى مساعدات تنموية لمنطقة الساحل و الصحراء من أجل قطع الطريق على لاعبين آخرين يتصيدون في ماء التخلف و الفقر ،من أجل تمرير أجندات عنيفة تزرع ثقافة الخوف و تستخف بتاريخ شعب وأمة و تدمر مرتكزات اجتماعية و ثقافية و اقتصادية نمت على مرور أجيال و في كنف إسلام يدعو إلى الرحمة و التساكن .و هذا العنف و الترهيب الفكري و الجسدي الذي دعت إليه جماعة أنصار الدين و هدمها للأضرحة و الأماكن الدينية المقدسة في تمبكتو بدعوى معارضتها لمقتضيات الشريعة.و نقول بأن إرث الإسلام المنفتح وتسامحه في هذه المنطقة و حرية شعوبها وفكرها وخياراتها هو من روح و مقتضيات الشريعة الإسلامية و التي تحمي الوجود الروحي للإنسان و تهتم بأمنه و استقراره. فعندما يتم التعدي على ثقافة و حضارة و مورد رزق آلاف البشر ،فليس هذا ما يدعو إليه الإسلام الذي هو أكبر من فهم ضيق و تفسير قاصر و ضد تسامح الشريعة الإسلامية ذاتها . و نزيد أيضا على أن المادة الثامنة من معاهدة روما التي أُنشئت بمقتضاها المحكمة الجنائية الدولية تنص على أن "الهجمات المتعمدة على مبان مدنية غير محمية ليست أهدافاً عسكرية تشكل جرائم حرب، وهذا الأمر يشمل الهجمات على المعالم التاريخية، وكذلك تدمير المباني ذات الطابع الديني". و من هنا وجب الوقوف بحزم و رؤية واضحة أمام كل من يعوق أو يساهم في تقويض السلم و الأمن الاجتماعي و الروحي و الاقتصادي لمن لا حول لهم و لا قوة .
3 الأسباب و الآفاق
و نرى أن أي أزمة توجد في داخل مجتمع ما هي إلا نتاج مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، و في نفس الآن لا يمكننا أن نعزل أي دولة من البيئة الخارجية المحيطة بها. وإذا عرفنا أن البيئة المحيطة بمالي يتداخل فيها ما هو قبلي وما هو حدودي وعدم استقرار سياسي وانقلابات عسكرية ، وكذا أزمة الطوارق المستعصية و المتشعبة في أكثر من دولة في المنطقة مثل ليبيا والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو . وحتى مع افترضنا بأن الديمقراطية يمكن أن تكون المدخل للتعامل مع هذا النوع من الأزمات المعقدة مثل التطرف الديني و العرقي و الخلافات الحدودية ،فديمقراطية مالي الفتية منذ عام 2002 لم تشكل الأساس الصلب من أجل مواجهة تحديات كبيرة كالتي تمر به الآن. فالحاجة ملحة إلى رؤية شاملة للتعامل مع هذه التحديات و مساعدة مالي على بسط سيطرتها ونفوذها،و هذه الرؤية الإستراتيجية يمكنها تغطية محاور مهمة تتمثل في محاربة التصحر والأمن الغذائي والبنيات التحتية الاجتماعية والتربوية ومحاربة الجريمة العابرة للحدود. فالتعامل الأمني المباشر و غير المباشر مع هذه المعضلة ثبت فشله الذريع ،فتصاعد العنف و التطرف على المستويات كلها يستدعي من الدول الكبرى و الإقليمية معالجة الأسباب التي أدت إلى ترعرع هذه التنظيمات وليس القضاء الأمني عليها. ووجوب التوقف عن هذا الأسلوب التقليدي في مقاربة القضية ضروري، و ذلك باستغلال الدعم الدولي بشكل حذر يخدم الهدف الاستراتيجي في التقويض الفكري و الاقتصادي لكل مسعى تطرفي ،و محاولة تقييم الأولويات على أساس حسابات الاحتواء على المدى البعيد يخدم السلم و الأمن الدوليين. و عندما يؤكد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ أنه لا مجال للشك في أن وضع مالي من أخطر الأزمات التي تواجهها القارة، بحيث يقول بأن"استمرارها يشكل خطرا حقيقيا على ديمومة دولة مالي والاستقرار والأمن الإقليمييْن".إن هذا التأكيد على الخطر المحدق بالقارة يسمح لنا بالقول بأنه اليوم لغز حقيقي ، و قراءة هذه المؤشرات و التصريحات تقول بأن المنطقة تربة خصبة من الممكن أن تنمو فيها التيارات المتطرفة الجهادية، و هذا يدفعنا إلى القول بأن غدا لغز آخر و الأهم ما يمكن فعله في اللحظة الآتية
|
|
3327 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|