أضيف في 13 يوليوز 2012 الساعة 26 : 12
نعرف جميعاً أن (الثورة العربية الكبرى),التي اشتعلت شرارتها في مثل هذه الأيام (تحديداً في العاشر من حزيران عام 1916) بقيادة الشريف حسين بن علي أمير مكة,وبضغط شديد وبمبادرة من الجمعيات العربية القومية في بلاد الشام,المطالبة بإقامة دولة عربية حرّة مستقلّة,تضمّ المشرق العربي والجزيرة العربية..
حدثت بدعم سياسي مصلحي وتشجيع تكتيكي كبير ومدروس من جانب بريطانيا (مراسلات الشريف حسين والمعتمد البريطاني في القاهرة هنري مكماهون),التي تعهدت بالاعتراف بالاستقلال العربي وتأييده بصورة تامة,بغية التسريع بتحطيم الامبراطورية العثمانية,وغير ذلك من أهداف وتوجهات استعمارية في هذه المنطقة.باستثناء فئة قليلة عرفت حقيقة المهمة,التي أوكلتها بريطانيا لمواطنها الضابط (لورانس) في القيادة العسكرية لتلك الثورة,ونجاحه الهائل في أداء وظيفته الاستخباراتية المرسومة,حيث اشتهر بلقبه (لورانس العرب),بسبب اتقانه الكبير لدوره,والتصاقه الكامل بقيادة الثورة العربية,وشيوخ القبائل,وغيرهم من الزعامات الاجتماعية,لمصلحة الأهداف الاستراتيجية البريطانية من جهة,وتمويه علاقاته المشبوهة والسرية بالقوى والهيئات والشخصيات الصهيونية من جهة أخرى.
أما حقيقة (لورانس العرب),الذي نسجت حوله أساطير البطولة والشهامة والشجاعة والفروسية والوفاء...الخ فقد فضحها عدد من المؤلّفين والباحثين المجتهدين في طليعتهم الكاتب زهدي الفاتح,صاحب كتاب (لورانس العرب على خطا هرتزل),الذي احتوى مجموعة من الوثائق والتقارير,الموجهة من (لورانسنا) هذا إلى إدارته في لندن,وهو الذي قال عنه تشرشل:(لن يظهر له مثيل في مستقبل بريطانيا).
فمن هو (لورانس العرب)?!..إنه توماس إدوار لورانس (1888-1935) جاء إلى السلك العسكري من الوسط الأكاديمي,حيث درس التاريخ والآثار في جامعة اكسفورد,تحت اشراف ديفيد ج.هوغارث,ضابط الاستخبارات المتخصص بشؤون (الشرق الأوسط),انضم إلى بعثة الآثار في بلاد ما بين النهرين سنة ,1911وقام برحلة طويلة امتدت إلى حوالي ألف ميل,شملت سورية الطبيعية أو الكبرى (سورية وفلسطين ولبنان والأردن).وقد اشترك في التنقيب عن الآثار في كركميش (جرابلس) بتمويل من المخابرات البريطانية.
ارتاب الأتراك,في سنة 1912بأمر لورانس,فكتب إلى هوغارث يقول:(هذه الدولة العجوز,مازال فيها بعض حياة بعد..انها تراقبني)!!..
في كانون الثاني ,1914التحق رسمياً في سلك الاستخبارات البريطانية العسكرية,ثم كلّف بالانضمام إلى القوات العربية المحاربة ضد الدولة العثمانية في (1916) بقيادة فيصل الأول بن الشريف حسين.وقد دخل مع الجيش العربي دمشق سنة 1918 قبل أن يدخلها الجنرال اللنبي.
رافق (لورانس العرب) فيصلَ إلى (مؤتمر السلام) في فرساي وقام بدور كبير في خداع العرب وتنفيذ سياسة بريطانيا.وبعد فشل المؤتمر ونكث بريطانيا بوعودها لهم,رجع (لورانس) إلى بريطانيا وانضم إلى القوى الجوية باسم مستعار (روس),وغيَّر في الوقت نفسه اسمه إلى ت.أ.شو.
ويؤكد الباحث زهدي الفاتح نقلاً عن فيليب نايتلي وكولين سمبسون مؤلفي كتاب (الوقائع السرية في حياة لورانس العرب) أن:(الصهاينة الذين كانوا يمولون لورانس,كانوا يباركون أيضاً خطته القائمة على أن من مصلحة بريطانيا الابقاء على الشرق الأوسط (المقصود بذلك المشرق العربي) منقسماً على نفسه,مفتتاً إلى دويلات متناحرة,متنافرة بعد القضاء على عامل توحيدهم وتماسكهم).
لقد جاء في تقرير سري ل (لورانس العرب) بعنوان (احتلال سورية) مايلي حرفياً: (إن شئنا ضمان السلام في جنوب سورية,والسيطرة على جنوب بلاد ما بين النهرين وجميع المدن المقدسة,فيجب أن نحكم دمشق مباشرة).
ما أوردناه بتلخيص وإيجاز شديدين يؤكد بصورة قاطعة أننا لسنا واقعين تحت سيطرة (نظرية المؤامرة),وإنما في شِباك (نظريات) التسطيح والتجهيل والاخفاء المتعمد لوقائع التاريخ,والمهمات السرية,والمخططات السياسية والاستراتيجية الاستعمارية القديمة المتجددة..فهل استيقظنا من غفوتنا العلمية الطويلة,وهل أعدنا النظر بما قدّم لنا من (أطباق تاريخية جاهزة) فأخضعناها للفحص والتحليل والتدقيق,قبل التهامها,ودفعها بما فيها من سموم وأضاليل لأجيالنا الشابة الجديدة?!!
|