عزيز الدادسي
يصر عبد العالي حامي الدين أحد ضحايا الربيع العربي الذي خرج خاوي الوفاض من وقفته الطويلة تحت شمس الرباط الحارقة، على تحريف النقاش كلما أثير موضوع من مواضيع الساعة يحرج حزب العدالة والتنمية.
وبعد الضربة الموجعة التي تلقاها من معتقلي السلفية الجهادية، الذين لم يكترثوا لوساطته وقرروا الاستمرار في إضرابهم عن الطعام، عاد حامي الدين أدراجه للحديث عن قضية إفشاء السر المهني، لكنه لم يقل بأن رفيقه في الحزب، وزير الاتصال، أكد في لقاء صحافي أن النيابة العامة فتحت تحقيقا ليس في إفشاء معلومات يجيزها الدستور، ولكن في تسريب وثائق هي ملك للدولة أولا، وثانيا هي تهم شخصيتين عموميتين. وكم سيكون جميلا لو أننا اطّلعنا اليوم على وثائق رسمية عن الحياة الشخصية لعبد العالي حامي الدين وزوجته أو قياديين في العدالة والتنمية في إطار الحق في الوصول إلى المعلومة !
وإذا كان حامي الدين، كدأب حزب العدالة والتنمية، يريد تمييع النقاش فإنه اختار التوقيت غير المناسب، خصوصا أن المسألة اليوم أصبحت في يد القضاء وهو الفيصل الوحيد. و ليس من حقنا كمواطنين أن نسمح بتحريف النقاش الحقيقي المطلوب على ضوء ما نشر من وثائق هي في ملك الدولة المغربية، لها علاقة ليس بطريقة إنفاق مال عمومي كما يريد حامي الدين أن يوهمنا، ولكن لها علاقة بحياة شخصية لرجل دولة، انتهكت حرمته، وكان الأولى أن يتم فتح تحقيق من قبل الجهات المختصة وفق ما يقتضيه القانون، بدل نشر غسيل الإدارة المغربية بطريقة سمجة ومعيبة ستحسب على حزب العدالة والتنمية كونه أولا يشرف على تدبير المال العام، وثانيا لأن ما نشر يدين جهات داخل الحزب، خصوصا أن نشر الوثائق تزامن مع الحملة الشعواء التي قادها قيادي آخر في حزب المصباح، وهو عبد العزيز أفتاتي، حتى أنه اختلط علينا الأمر ولم نعد نفهم هل يتعلق الأمر بحزب يدبر الدولة، آم بحزب خارج القانون.
لقد انحرف حامي الدين كليا عن النقاش الحقيقي وراح يتحدث، وكأنه إمام مسجد تقي وورع، ويده نظيفة، بل جعل من نفسه وصيا على المال العام، مع أننا نعلم أن المغرب قطع شوطا كبيرا في المجال من خلال إحداث المجلس الأعلى للحسابات، فتحدث حامي الدين عن تجريم المساس بالمال العام عن طريق ارتكاب جريمة الغدر أو السرقة أو الإهدار ( الفصل 36 من الدستور)، وهي كلها جرائم لا علاقة لها بقضية تسريب وثائق رسمية التي تدخل في إطار خيانة الأمانة وإفشاء السر المهني، وحزب العدالة والتنمية أحرص من غيره على صون الأمانة.
إن المشكلة التي لا يريد حامي الدين الإقرار بها، هي أننا أمام قضية إفشاء السر المهني التي كان على العدالة والتنمية احترامه بل والدفاع عنه، حتى لا يتم العبث بأسرار الدولة المغربية، وكان الأولى أن ينبري حامي الدين، الذي يخال نفسه قائدا، للدفاع عن الحق في المعلومة وليس النيل من سمعة الأشخاص مهما كانت درجاتهم، خصوصا أن القضاء اسند له الملف، إطار اختصاصاته، ويمكن أن تحمل القضية كثيرا من المفاجآت.