سعيد منتسب
موضوع شائك، ويحتاج إلى مهارة خاصة من أجل الخروج من المطبات التي يطرحها بأقل خسارة ممكنة. ودليلنا على ذلك أنه ليس أرضا غير مطروقة، إذ كلما أثاره باحث أو تطرق إليه طالب كلما أدرك أنه يمشي في حقل ألغام هائج تصنعه توترات الصراع بين «العقل» والتعلق الشامل بالمقدس الديني. ذلك أن أي «شبهة حياد ديني» عادة ما يترجمها الغلاة إلى مسّ وانتهاك للانتماء الديني، وهو ما يطرح إشكالات أخرى ترتبط ب»التكفير» و»الارتداد» و»إهدار الدم» و»المحاكمات»..
إن إثارة هذا الموضوع- وهو مطروق على أوسع نطاق في كتب الحديث والنوازل- يندرج في سياق أسئلة كبرى، من قبيل: ما هي حقيقة المعطيات الشفويّة التي تمّ تداولها حول موضوع «الجنس» في الإسلام بعد وفاة النبيّ؟ ما طبيعتها؟ كيف تمّ تداولها؟ وما هو المسار الذي سلكته وأدوات الإنتاج -أو بالأحرى إعادة الإنتاج- التي خضعت لها إلى حين استقرارها في شكل مكتوب ضمن مصنفات السيرة النبوية؟ وهل كان سرير النبي، فعلا، مختبرا تجريبيا لكل أصناف النساء، كمال يقول بعض «الناقمين»؟
وإذا كان الاتجاه الذي اتخذه بعض الباحثين هو السير صوب «امتداح الإيروتيكا» في الإسلام، والانحياز الكامل إلى الدنيوي على حساب المقدس، أو من جهة أخرى تضخيم الفعل الجنسي عند النبي (ص) وتحقيره، فإن هدفنا نحن ليس هو تحويل الفعل الجنسي عند الرسول إلى حلبة رقص يجتمع فيه الخيال والحساسية والفانتازيا والثقافة. كما أن هدفنا ليس «تعليميا»، ما دمنا ندرك أن الفعل الجنسي مجرّد مرآة لأفعال أساسها ثقافيّ وسيكولوجيّ ومجتمعيّ وذاتيّ.
ولذلك، فإنه من الواضح، للابتعاد عن القراءة الآثمة للموضوع، أن نربط الفعل الجنسي عند الرسول (ص) بسياقه التاريخي والثقافي، مادام أن الإسلام دين «ناسخ» لمجموعة من الأفعال والسلوكات التي كان يتشيع لها العرب حينذاك، ويعتبرونها جزءا من كينونتهم وفحولتهم، لكن الإسلام اشتغل على محوها وإدراجها في خانة «الجاهلية».
لقد عرف العرب أساليب وتعبيرات مختلفة حول ممارسة الجنس الذي لم يكن عندهم مرتبطاً بما نعبّر عنه الآن من خلال مفهوم «الجنسانية» القائم على تنميط الرغبة الجنسية. فللعرب- كما توضح النصوص الإسلامية الناسخة- باع طويل في فنون الشبق، حيث تعاطوا فنونا شبقية متعددة، إذ كان الجسد ليس بعيدا عن الحياة العامة، ولم يكن منحصرا داخل جدران الخباء، ولا مخفيا وراء ستائر الحشمة بالمفهوم الإسلامي، بل كان شبقا لا محدودا، تحركه المرأة التي تلعب دورا حاسما في «الشبقية العربية».
وقد ذكر بعض الباحثين أن الجنس قبل السلام يجري على أربعة أنواع تتحقق داخلها :
أولا: نكاح الاستبضاع: نكاح انتقائي مؤقت كان الرجل يدفع زوجته إليه ، بعد أن يكون قد حسم اختياره للرجل الذي ستجامعه زوجته، بعد انقطاع دورتها الشهرية مباشرة .وغالباً ما يكون هذا النموذج شاعراً أو فارساً رغبة منه في تحسين النسل أو إنجاب الولد.
ومعنى البُضع في اللغة : النكاح أو فرج المرأة والمباضعة: المجامعة.
ويروي صاحب «لسان العرب» نقلاً عن ابن الأثير، أن الاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البضع (الجماع) وذلك أن تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط، كان الرجل منهم يقول لأمَته أو امرأته :»اذهبي إلى فلان فاستبضعي منه»، ويعتزلها فلا يمسها حتى يتبين حملها، وإنما يفعل ذلك رغبة في إنجاب الولد.
ثانيا نكاح المخادنة: وتعني الصداقة. والخدين: الصاحب أو الصديق. وفي القرآن الكريم (محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان)، فقد كانت المرأة قبل الإسلام، تمتلك حق الصداقة مع رجل آخر، غير زوجها، يكون لها بمثابة العشيق أو الصديق بالمفهوم الاجتماعي المعاصر، لا يمتلك الزوج حق الاعتراض أو منعها عنه. لكن ذلك لا يمنع وجود حالات من المخادنة الخالية من الاتصالات الجنسية المباشرة، إذ كان من المتفق عليه بين العشيقين المتحابين «أن يكون له نصفها الأعلى يصنع فيه ما يشاء، ولبعلها من سرتها إلى أخمصها».. فقد قيل لإعرابي :»أتعرف الزنا؟»، فقال :»وكيف لا؟»، قيل :»وما هو؟»، قال :» مص الريقة ولثم العشيقة والأخذ من الحديث بنصيب»، وهذه إشارة واضحة إلى عدم قيام الاتصال الجنسي المباشر.