«أنا مرات ولدكم»! جملة مباغتة يتلقاها بعض الآباء الذين يجهلون الحياة الثانية لأبناء اختاروا الإرتباط سرا. بعضهم يعي جيدا نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، لذا اختار اختزال القصة والارتباط دون جس نبض الأسرة حول مدى تقبلها للفكرة. تتشنج العلاقة بين الأسرة والابن الذي يجد نفسه مخيرا بين الطلاق أو القطيعة. لكن إمكانية الصلح تبقى واردة بالنسبة للذكر، على عكس زواج الفتاة الذي يتحول لفضيحة يصعب على الأسرة تجاوزها.
«أنا مرات ولدكم»! كانت هذه هي العبارة التي غيرت الصورة العادية التي يحتفظ بها أفراد العائلة عن الشاب العازب الذي يقضي وقته بين العمل والبيت، «لقد صدمنا جميعا عندما علمنا بالخبر، خاصة أنه كان شابا مرحا ومنفتحا، ولا يوجد سبب وجيه يمنعه من إخفاء مسألة ارتباطه» تقول إحدى قريبات الشاب.
كان سبب غيابه مبررا، تفرضه طبيعة عمله ليغيب عن بيت أسرته مدة أسبوع. بعد عودته للبيت يعيش الشاب الثلاثيني حياته بشكل عادي بين أفراده أسرته.
لكن التفاصيل التي حملتها الأيام، كشفت بعضا من التفاصيل التي دفعت الابن لخوض تجربة الزواج بعيدا عن علم أسرته، لتصبح له حياة أخرى لا يعلمها المقربون. الزوجة مطلقة وأم لطفل. تفصيل ثقيل يكشف سبب تهرب الابن من مصارحة الأسرة بقرار ارتباطه بمطلقة، «لم يكن تخوفه من والدته، لأنها إنسانة متفهمة وهادئة للغاية، لكن أعتقد أن جل تخوفه كان من جهة والده، لأنه رجل متسلط، و مزاجي للغاية»، تقول القريبة.
كان التخوف في محله، لتتعامل الأسرة مع الحدث على أنه فضيحة غير قابلة للكشف، وفي الوقت الذي كانت فيه والدة الشاب تسعى لنشر خبر زواج ابنها ككل الأمهات، وجدت نفسها أمام هذه الزيجة الغريبة مجبرة على التكتم، والحرص على عدم مشاركة التفاصيل مع أقاربها، «قلة هم من يعلمون بخبر هذا الزواج، ولولا رغبة والدته في طلب المشورة لما علم أحد بالخبر» تقول القريبة التي انتهى لعلمها أن الأسرة تسعى جاهدة إلى انهاء زواج الابن، مع اصرار والدي الزوج على رفض الزوجة وعدم السماح لها بزيارة البيت، ليقفلوا بذلك أي باب للتقارب أو التعارف.
أمام هذا الرفض التام، لم يجد الابن بدا من تقديم وعده بقرب إنهاء العلاقة، ليتخلى عن عادة غيابه الأسبوعي، دون أن يجزم أحد من المقربين في كون قراره يتسم بالجدية، أم أنه مجرد كلام لتهدئة النفوس.
«الأمر أشبه بالورطة»
تجربة زواج أخرى بعيدا عن أعين الأهل، بطلها خالد الذي وضع الارتباط ضمن لائحة أولوياته وهو الشاب الذي أنهى دراسته للتو، وانخرط في رحلة البحث عن عمل من خلال العديد من المباريات والتدريبات داخل شركات متعددة. إلى جانب العمل، كان خالد يحرص على لعب دور الابن المطيع الذي لا يتردد في تقديم المساعدة لوالده الذي لا يقوى على السياقة، ليصبح خالد مسؤولا عن تنقلات والده.
وجد الابن متعة أخرى في السياقة، لا تنحصر في نقل والده، ليكثف من خروجه رفقة أصدقائه. كانت هذه نقطة التحول في حياة الابن الذي لم يعد مطيعا كما عهدته الأسرة. «أصبح يتهرب من نقل والده، مما جعلهما يدخلان في مشاداة كلامية، انتهت بحمل أغراضه ومغادرة البيت نحو بيت جدته» تقول رشيدة التي تربطها صلة قرابة بخالد.
أثناء فترة الغياب التي استمرت شهرا، فوجئت الأسرة بشابة تطرق باب بيت الأسرة، لتفجر في وجههم العبارة الصادمة، «أنا مرات ولدكم». لم تستسغ الزوجة غياب الزوج. ولم تستسغ الأسرة بدورها ذلك الظهور المفاجئ للزوجة الشابة التي كشفت عن نوع الصلة التي تربطها بالابن الغائب.
اكتشفت والدة خالد أن زوجة ابنها المعلمة تكبره ببضع سنوات، لكنها لم تتمكن من الوصول إلى تفاصيل القصة التي انتهت بارتباط خارج علم الأسرة، «تحاول الأسرة الوقوف على السبب الحقيقي وراء هذا الزواج، حيث يعتقد الجميع أن الأمر أشبه بالورطة، أو علها مجرد نزوة» تقول رشيدة.
« بنتكم كاينا فمراكش.. راها مزوجا»
اختفت رجاء فجأة لتترك خلفها جرحا غائرا في ذاكرة أسرتها. كانت الأقرب لقلب والدتها على اعتبارها الابنة الجميلة التي ترضي غرور والدتها في التفاخر بين المعارف لكون ابنتها تحظى بالعديد من الخطاب رغم صغر سنها الذي لم يتجاوز السادسة عشر. فجأة تحولت الابنة من مصدر افتخار للأم، إلى مصدر عتاب ولوم بعد اختفائها المفاجئ. «لقد بحث عنها الجميع في كل مكان، وقد أكد أكثر من شاهد أنها شوهدت رفقة رجل وسيدتين داخل سيارة» تقول سعاد التي ربطتها برجاء علاقة صداقة إلى حين اختفائها.
«لقد شاركت في رحلة البحث عنها، كما أنني عشت مرحلة عصيبة لأنها كانت صديقتي المقربة، لذا لم أستسغ فكرة اختفائها» تقول سعاد التي شاركت والدة رجاء وشقيقاتها محنة الاختفاء. «كنت أتألم لوالدتها التي كانت تتخيل ابنتها وهي تتعرض للقتل أو الاغتصاب، كما أن باقي شقيقاتها عانين كثيرا من تعنيف والدهن الذي كان يعتقد أنهن على معرفة بمكان وجودها، خاصة بعد أن أكد بعض الشهود رؤيتها داخل سيارة».
بعد سنتين من الاختفاء، لم تكن الأسرة تتوقع تلك المكالمة الهاتفية التي غيرت كل شيء. « بنتكم كاينا فمراكش… راها مزوجا». كانت الصدفة وراء اكتشاف لغر الاختفاء، عندما وجدت إحدى الجارات التي كانت في زيارة لأسرتها داخل مراكش نفسها أمام رجاء بأحد الحمامات. أنكرت رجاء معرفتها بالسيدة، لتدعي أن الأمر مجرد شبه. لم تنطل الكذبة على الجارة التي قررت تعقب رجاء نحو بيتها.
فشلت جهود المعارف في إعادة المياه إلى مجاريها بين رجاء وأسرتها، ولم يتقبل الأب فكرة هربها وزواجها من رجل يكبرها بسنوات، «لقد كان يمنع عن والدتها البكاء، معتقدا أن ابنته لا تستحق التعاطف لأن هربها كان فضيحة للأسرة» تقول سعاد التي لا تخفي أن تعاطفها الوحيد موجه لوالدة رجاء التي عانت الكثير وهي تعتقد أن ابنتها تعرضت للقتل، «في الحقيقة هاد القضية ديال الزواج بلا خبار الواليدين كتكون ثقيلة شوية مللي كديرها بنت…».
سكينة بنزين