نور الدين زاوش*
الحلقة الأولى
" مصيبة كحلة " هكذا وصف البرلماني عبد العزيز أفتاتي القناة الثانية، في جريدة المساء ليوم 22/05/2012، زاعما أن القناة، في نشرة السبت 19 ماي 2012، لم تدرج خبر زيارة بنكيران إلى إسبانيا، والتي أولتها وسائل الإعلام الإسبانية أهمية خاصة، إلا في المرتبة الخامسة.
وأضاف أفتاتي أن القناة تخدم أجندة حقيرة لا يعرف لصالح من تعمل، وأن هذه الطريقة في التعامل مع هذا الخبر، فيها إساءة إلى المغاربة أجمعين، وليس إلى حزب العدالة والتنمية، الذي هو في غنى عنها، وطالب بمحاسبة المسؤولين عن القناة على ارتكابهم هذا الخطأ المكشوف، والذي يسيء إلى صورة المغرب في الخارج.
إضافة إلى جريدة المساء التي أوردت تصريحات البرلماني في صفحتها الرئيسية، مع صورة مكبرة له، فهناك العديد من المواقع الإلكترونية التي أوردت الخبر، حتى صار شائعا عند الجميع، بما لا يجادل فيه أحد، أن القناة الثانية ارتكبت خطأ فادحا وزلة عظيمة، وأن هناك مخاوف حقيقية في وجود تربص إعلامي بهذه الحكومة ورئيسها.
إن هذه التصريحات الغريبة لا يمكن أن تمر على عاقل، دون أن تخلف لديه مجموعة من التساؤلات والملاحظات:
1. إذا كان السيد أفتاتي وهو برلماني للولاية الثالثة، وعضو أمانة حزب رئيس الحكومة، وعضو حزب وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، لا يدري لصالح من تعمل القناة الثانية، فكيف سيعلم هذا الشعب المسكين؟
وكما قال الشاعر السوري أحمد مطر:
وطني أيها الأرمد ترعاك السَّما *** أصبح الوالي الكحّالة فأبشر بالعمى
2. إنه من الخطأ القول: إن هذه الطريقة في التعامل مع الخبر فيها إساءة إلى المغاربة أجمعين، وليس إلى حزب العدالة والتنمية، لأن السيد بنكيران لم يزر إسبانيا بصفته أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، بل بصفته رئيسا للحكومة، والأجدر به أن يقول: إن هذه الطريقة تسيء للمغاربة أجمعين، وليس للحكومة، اللهم إذا كان السيد أفتاتي يرى أن الحكومة هي حزب العدالة والتنمية، وعلى ما يبدو أن هذا فعلا ما يراه.
3. إن السيد أفتاتي ما زال يعيش على أنقاض الماضي وأمجاده، ومازال يحن إلى أيام المعارضة الزاهية، حينما كان يرغد ويزبد، ويسخر من المسؤولين، ويؤجج عواطف الشعب المسكين، ورغم أنه اليوم في الحكومة، فهو ما يزال يتحدث عن محاسبة المسؤولين للمخطئين، وكأن المسؤولين أناس آخرون ليسوا أصحابه وأحبابه وأبناء حزبه.
4. لقد قال السيد أفتاتي إن هذا الخطأ يسيء إلى صورة المغرب في الخارج، ونسي أنه بالأمس القريب، أقحم السفارة الفرنسية بالرباط في إشكالية انتخاب مجلس وجدة، حينما راسلها بتاريخ 5 يوليوز 2009، يستنجد فيها بالسلطات الفرنسية، ويستقوي بها من أجل التدخل لحماية المستشار نورالدين بوبكر، على أساس أنه مواطن فرنسي، طالما أنه يحمل الجنسية الفرنسية، زاعما أن ذلك تم بطلب من عائلته، وهو الأمر الذي نفته العائلة فيما بعد.
وقد أصدرت الخارجية المغربية بيانا أوردت فيه، أن الجنسية الفرنسية التي يحملها السيد بوبكر، لا يمكنها أن تشكل حجة وتعلل أية حماية أجنبية، في ما يتعلق بانتخابات وطنية وداخلية، وإثر هذا الخطأ الفادح، والهفوة المثيرة، قبلت الأمانة العامة الاستقالة التي تقدم بها السيد أفتاتي من المسؤوليات التي يتقلدها في هياكل الحزب، لكن رياح الربيع العربي أعادته إليها من جديد.
إن هذه الواقعة المشينة، والتي استنكرها حتى أعضاء حزب العدالة والتنمية، لا تسيء لصورة المغرب في الخارج فحسب، بل حتى في الداخل، لهذا كله، فإن السيد أفتاتي آخر شخص يحق له أن يتحدث عن صورة المغرب في الخارج.
5. لأول مرة في تاريخ المغرب، يذاع فيها لقاء مباشر مع رئيس حكومة، على قنوات مغربية ثلاث، رغم أن هذا العرف كان محصورا فقط، على أنشطة جلالة الملك، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن السيد بنكيران له اليد الطولى في الإعلام السمعي البصري، وأنه الآمر فيه والناهي، بدون منافس أو مجادل، وأنه ما شاءه كان، وما لم يشأه لم يكن، إلى درجة أنه لم يكلف نفسه عناء التنقل إلى أحد استوديوهات القنوات، بل هي التي فُرض عليها أن تتنقل إليه، لتنتظره في مكتبه لأكثر من ثلاث ساعات، هذا كله من أجل أن يقنع الناس بنظرية عجيبة، مفادها أن الزيادة في المحروقات تنقص من أثمنة .«les bananes »
يبقى السؤال المحير، واللغز المثير هو: إذا كان هذا شأن رئيس الحكومة مع الإعلام السمعي البصري، وإذا كانت هذه هي قبضته الحديدية عليه، فكيف نفسر ما صرح به السيد أفتاتي لجريدة المساء، من أن القناة الثانية تجاهلت زيارة بنكيران لإسبانيا على أهميتها؟
6. الجواب بسيط للغاية، هو أن كل ما قاله السيد أفتاتي في حق القناة الثانية لم يكن صحيحا، بل كان مجرد افتراء، لا أقل ولا أكثر.
لقد قال السيد أفتاتي بأن تغطية القناة كانت يوم السبت، والحقيقة أن التغطية كانت في نشرة المسائية ليوم الجمعة 18 ماي 2012، وما على القارئ الكريم، الذي أصيب بهول الصدمة، إلا أن يرجع إلى الموقع التالي للتأكد من الأمر:
http://www.2m.ma/Infos/node_3767/2012/node_50082/18/%28date%29/20120518
فالنشرة قد افتتحت بتغطية زيارة بنكيران إلى إسبانيا، بل وقبل حتى تغطية زيارة الأميرة للا مريم، ممثلة بذلك صاحب الجلالة، لملكة بريطانيا، في إطار احتفالها بالذكرى 60 على جلوسها على العرش.
أما ما أذاعته القناة الثانية يوم السبت، فلم يكن تغطية للزيارة كما زعم السيد أفتاتي، بل مجرد خبر عادي، يفيد بأن رئيس الحكومة تنقل من مدريد إلى برشلونة للقاء مجموعة من المسؤولين، ليس إلا.
أعتقد أنني تمكنتُ بحمد الله تعالى أن أفك اللغز، وأن أجد الحلقة المفقودة في هذا اللغط، لكن الذي لم أستطع أن أستوعبه لحد الآن، هو كيف أن زيارة بنكيران تمت يوم الجمعة، والسيد أفتاتي لم يبد أدنى دهشة أو تعجب أو استنكار، على أن تغطية الزيارة تمت يوم السبت كما يعتقد؟ إلا إذا كان السيد أفتاتي يعتقد أن الزيارة كانت بعد منتصف الليل، حيث لا نشرات إخبارية.
من حقي أن أتساءل الآن، هل من المعقول، بعد هذه الحادثة الغريبة، والتي ليست يتيمة على الإطلاق، أن يظل المعجبون بالسيد أفتاتي على نفس مستواهم من الإعجاب؟ وهل من الطبيعي أن يظل الواثقون به في نفس مستوى الثقة به؟
ما جعلني أكتب هذا المقال، هو ما أوردته جريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 13 يونيو 2012، في صفحتها الرئيسية تحت عنوان: العدالة – المعارضة، مشكلة اسمها أفتاتي.
لقد كان ما أوردته الجريدة خطيرا جدا، لا يستطيع أن يسكت عنه إنسان، أو أن يغض الطرف عنه عاقل، خصوصا وأنه إذا صح، يشكل إهانة غير مسبوقة للشعب الوجدي قاطبة.
لقد جاء في المقال، أنه بعدما اتهم السيد أفتاتي السيد مزوار، تحت قبة البرلمان، بأنه كان يأخذ 40 مليونا تحت الطاولة، وأنه بعدما انسحب فريق الأحرار من البرلمان احتجاجا على هذه الاتهامات، برر بعض برلمانيي العدالة لأعضاء من الأحرار سلوك أفتاتي، على أنه نابع من كونه يعاني من مرض عقلي، وأنه يتابع علاجه لدى أحد الأطباء.
لستُ مغفلا لأصدق كل ما يكتب على صفحات الجرائد، لكن في الوقت ذاته، لستُ عدميا، لأكذب كل ما تكتبه، ومنه، فالخروج من هذا المأزق الفكري هو التمحيص والتبين، لأنهما منهاجا المؤمن، من أخذ بهما اهتدى، ومن استغنى عنهما ضل وهوى.
صحيح أن ما بدأتُ به المقال يوحي بأن شيئا غير عادي يدور بعقل هذا الرجل، وأن الشكوك تحوم حول أقواله وانفعالاته وسلوكياته، لكن هذا ليس مبررا كافيا لاتهامه بالسفه والخبل، على أي، فبرلمانيو العدالة والتنمية مدعوون لأن يصدروا بيانا ينفون فيه بأن السيد أفتاتي مختل عقليا، وإلا فنحن مجبرين على أن ندرس جميع الخيارات.
*كاتب إقليمي سابق بحزب العدالة والتنمية بوجدة، وصاحب كتاب "الجالية اليسارية المقيمة بحزب العدالة والتنمية" .