|
|
|
|
|
أضيف في 26 يونيو 2012 الساعة 55 : 22
أبى الزميل بوبكر الجامعي، في معرض إفاداته في كرسي اعترافه مع صحيفة «المساء»، إلا أن يثير اسمي في واقعة كنت أفضل نسيانها؛ ولم أفهم بالتحديد الغرض من إقحام اسمي في بطولات ينسبها الزميل العزيز إلى نفسه وكان بإمكانه مواصلة تلك الفتوحات الدونكيشوتية دون إضافة اسمي المتواضع. أولا، ليس من طبعي ولا من هواياتي المفضلة الدخول في سجال أو تلاسن مع أحد كيفما كان، خاصة إذا كان هذا «الأحد» من المحسوبين على مهنة الصحافة وأمام الرأي العام، لكن أهمية النقاط المطروحة وحساسية بعضها لم تتركا لي مجالا سوى الرد للتوضيح وحتى يكون الاعتراف كاملا وليس انتقائيا. أعتقد أن على عاتق من يمتهن الصحافة مسؤولية أخطر من مسؤولية القاضي في تحري الدقة والإنصاف، لأن مسؤولية الثاني -على خطورتها ودقتها- تنحصر في نوازل محددة وتطال تبعاتها، الإيجابية أو السلبية، أشخاصا محددين وفي مكان وزمان معينين؛ لكن حينما يتعلق الأمر بالصحفي، فالمسألة تتعلق برأي عام وبأعراض مواطنين، وربما هي- وهو الأخطر من ذلك- مسؤولية أمام التاريخ لأن الصحفيين، كما هو شائع، «يكتبون المسودة الأولى للتاريخ». سأترك للقارئ مهمة استخلاص الأسباب المسؤولة عن تفسيرات مختلفة لحدث واحد كنا -الجامعي والعبد الضعيف، بالإضافة إلى آخرين- شهودا عليه وتوصلنا بشأنه إلى استنتاجات ومواقف وتصرفات غاية في التباين والاختلاف. أولان يقول السيد الجامعي في معرض تبريره للحوار الذي أجراه في واشنطن مع زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز: «كان هناك استقبال كبير لمحمد عبد العزيز في الكونغرس بصفته رئيس دولة»، ولا أعرف كيف استنتج السيد الجامعي بفراسته الصحفية -وهو القادم إلى واشنطن لإنجاز فتح دبلوماسي غير مسبوق كما يدعي- هذا الاستنتاج الخاطئ جدا، ولم يكتشف بعد كل هذه السنين أنه كلام عار عن الصحة. ربما عذره في ذلك هو جهله التام، على ما يبدو، بآليات اشتغال الكونغرس. محمد عبد العزيز -كما رأيت أيها الزميل العزيز- جاء إلى قاعة يتيمة من عشرات القاعات التابعة لمجلس النواب يمكن أن «يؤجرها» نائب من مئات النواب لوقت محدد لاستضافة من يشاء والحديث عما يشاء. وهذا ما حصل بالفعل، لأن أحد النواب من المتعاطفين مع أطروحة السيد عبد العزيز استدعاه وحجز له غرفة صغيرة من المبنى الضخم، كما أن «الحضور الكبير» الذي يتحدث عنه السيد الجامعي كان أبرزه مجموعة من أطفال مدرسة ابتدائية في مقاطعة النائب المذكور. ولو أبديت رغبتك شخصيا في الحديث في القاعة نفسها لكان مغاربة واشنطن قد توسطوا لدى أحد المشرعين لتحقيق ذلك دون أن يضفي عليك حديثك في القاعة نفسها أي هالة، إن لم تكن تملكها أصلا. رؤساء الدول، يا زميلي المحترم، حينما يزورون الكونغرس يستقبلون ببروتوكولات وقاعات خاصة ومن قبل زعامات الحزبين والغرفتين، وهذا لم يحصل إطلاقا لا من قريب ولا من بعيد مع زعيم البوليساريو؛ ومن ثم فإن كلمته «في الكونغرس» في غرفة منعزلة لا تضفي عليه شرعية زعيم دولة، كما لا تجعل من السيد بوبكر الجامعي «صحفيا في مهمة دبلوماسية». أذكر -على خلاف ما يذكره الزميل العزيز- في ذلك اليوم الربيعي أنني كنت متفرغا للعمل مع صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» بعد خروجي للتو من تجربة مؤلمة مع تلفزيون أبوظبي؛ وحينما قدمت نفسي كمراسل للجريدة فهذه كانت هي الحقيقة كاملة في ذلك المكان والزمان. ثانيا، حضرت بمعية بعض المغاربة من واشنطن وحتى من ولايات أخرى، بما في ذلك ولاية النائب الذي وجه الدعوة إلى محمد عبد العزيز-كلهم أحياء يرزقون- جاؤوا لشعورهم بالاستفزاز من وجود السيد عبد العزيز في مقر الكونغرس بغض النظر عن القاعة ومستوى الاستقبال الذي لم يسمع به أحد سوى المهتمين جدا بالموضوع. وكان واضحا أن حضور بعض مغاربة أمريكا، بمن فيهم من جاؤوا من ولاية بنسلفانيا -ولاية النائب صاحب الدعوة- كان بدافع وطني بحت لا يريدون من ورائه جزاء ولا شكورا مادام بعضهم يصوت في مقاطعة النائب ويمكنه معاقبة المشرع في الانتخابات الموالية. بالإضافة إلى الدافع الوطني، كنت مدفوعا أيضا بعامل مهني، وكنت أريد من «الزعيم» الذي يتحدث عن انتهاكات الحكومة المغربية لحقوق الإنسان -والتي لا أنكرها- الحديث أيضا عن انتهاكات جماعته لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف التي تتحدث عنها المنظمات غير المغربية المعنية بحقوق الإنسان. وكان سؤالي يتيما وواضحا ومباشرا، ركزت فيه على الرغبة في معرفة رد فعله إزاء انتهاكات حقوق الإنسان بين اللاجئين في مخيمات تندوف. السيد عبد العزيز رفض الرد على سؤالي وردد كلمات كلها تهكم واستخفاف بـ«طاولة المغاربة»، مشيرا بسبابته إلى الطاولة التي كنت إلى جانب مجموعة من المغاربة متحلقين حولها في ركن قصي من القاعة، وهي الطاولة نفسها التي كان يجلس إليها السيد الجامعي. بعد ذلك، كتبت قصاصة صغيرة لـ«الاتحاد الاشتراكي» وصفت فيها ما جرى دون زيادة أو نقصان، وأرشيف الجريدة مازال موجودا. بعد ذلك، تجلس -أيها الزميل العزيز- مع زعيم البوليساريو في حوار مطول وتتهمني -بدون حياء- بأنني «لم أحترم المظاهر»، عن أي مظاهر تتحدث، أيها الزميل العزيز؟ ومتى كانت الجريمة التي تقترف لساعات في فندق في واشنطن تتمتع بحصانة لا تشمل جنحة اقترفت في دقيقة أمام الملأ في إحدى قاعات الكونغرس؟ هذا لو سلمنا، طبعا، بتقييمك غير المستقيم. واضح أيضا من كلامك أنه حز في نفسك انتقاد الاتحاديين لك، ويبدو أنك وجدتني مطية سهلة للرد عليهم، ودعني أهمس في أذنيك -أيها العزيز- بأنني لست ولم أكن اتحاديا قط في حياتي، على الرغم من اعتزازي العميق بصداقات تجمعني بإخوة اتحاديين تشرفني صداقتهم، وأحمل في قلبي الكثير من الإجلال والتقدير للكثير من زعماء الحزب التاريخيين، كما أفخر بتجربتي مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي ساعدتني على التواصل المستمر مع القراء المغاربة كصحفي محترف يتقاضى مقابل كتاباته أجرا شهريا معلوما. كما أن السيد عبد الرحمن اليوسفي -الذي أكنّ له أعمق الاحترام، والذي كان يرأس الجريدة ساعتها- لم يمل علي السؤال الذي طرحته ولم يتدخل في ما كتبته، لا في ذلك اليوم ولا طيلة السنين التي اشتغلت خلالها مع الجريدة تحت إدارته، ولهذا كان إقحامه في بطولاتك الوهمية تجنيا وتعسفا وظلما واضحا. ومادام الشيء بالشيء يذكر، فإن عودتك إلى ذلك اليوم الربيعي قبل اثني عشر عاما أعادت إلى ذاكرتي ما دار من حديث بيننا حول مأدبة غداء في ولاية فرجينيا عن «ملفك الخطير» الآخر بشأن شراء السيد محمد بنعيسى -حينما كان سفيرا للمغرب في واشنطن- سكنى تابعة للسفارة وكيف نصحتك بأن الملف -كمقابلتك مع عبد العزيز- فارغ وأن الثمن الذي دفعته السفارة لا يختلف كثيرا عن أسعار السوق ساعتها في منطقة واشنطن الكبرى؛ لكنك عدت بملفك «الخطير» عن صفقة عقارية جاء فسادها من نسج الخيال إلى أن قال القضاء كلمته في الموضوع وأنصف السيد بنعيسى من اتهاماتك التي لم تتوخ فيها الدقة فحسب، بل أهملت فيها قاعدة ذهبية تحتم اللجوء إلى أكثر من مصدر في معلوماتك «الصحفية». واضح أننا ننتمي إلى تجربتين صحفيتين مختلفتين تماما. وكما قلت في البداية، فإن الدقة لدى الصحفي أشد خطورة من أي شيء آخر وسلطة الميكرفون أو القلم، في عرفي المتواضع، لا يمكن أن تستخدم أبدا للتشهير بأعراض الناس حتى لو كانوا في الحقل العام، ولا يمكن لمهنة الصحافة أن تتحول إلى وسيلة للشغب المجاني أو المزايدة الرخيصة أو افتعال بطولات وهمية تنضاف إلى سيرتك الذاتية أو القيام بمهمة دبلوماسية بررت بها لقاءك مع زعيم البوليساريو. كان بإمكاني أن أجري المقابلة قبل صعودك الطائرة -بحكم أنني مقيم هنا بكل بساطة- لكنني كنت ساعتها أكتب لجريدةٍ الأغلبيةُ الساحقة من قرائها من المغاربة، وما كنت لأستفزهم بصورة وكلام شخص يعيش على قذف بلدهم بكل ما هو سيئ ودون أن يضيف كلامه، من الناحية الخبرية والمهنية، أي شيء مفيد. ويبدو أنك بعد أن «احترمت المظاهر» وجلست مع ضيفك في أحد أفخم فنادق المدينة، تبحث للمغرب عن «الحل الثالث»، اكتشفت بعد الجواب الأول أن «الحوار كان فارغا» -على حد تعبيرك- بعد أن أبلغك ضيفك من جوابه الأول أن الحل في الاستفتاء وفي الأمم المتحدة ولا حل ثالث ولا هم يحزنون أو يفرحون. ولو سألت بالتلفون -أيها الزميل العزيز- أو زرت أحد مواقع السيد عبد العزيز في الفضاء الافتراضي أو استمعت إلى إحدى الإذاعات المؤيدة لأطروحته لما كنت كلفت نفسك عناء عبور المحيط ولوفرت على نفسك وعلى الجميع كل هذه البطولات وكل هذا الدوار. أقر بأنني -باستثناء الانتماء إلى الوطن والمهنة- أختلف جذريا في كل شيء مع السيد الجامعي، وربما كان ذلك أحد الأسباب في تأويلاتنا المختلفة للأحداث نفسها، لكنني أتمنى صادقا ألا يفسد ذلك الاختلاف أي مودة محتملة، وإن كانت تبدو شبه مستحيلة. ولعلمك، أيها الزميل العزيز -وهذه معلومة لم تسمعها مني من قبل، لكنها مؤكدة وموثقة وعليها، كما في كل ما سبق، شهود ووثائق وبطلها الرئيسي مازال حيا يرزق- حينما فكرت اللجنة الدولية للصحفيين -ومقرها نيويورك- منحك جائزتها قبل بضع سنين، كان العبد الضعيف من بين من استشارهم السيد «جو كومبانيا»، المدير التنفيذي للجنة، الذي مازال بيننا؛ وباسم الانتماء إلى الوطن -وليس الصحافة- زكيت ترشيح «المواطن بوبكر الجامعي» للجائزة قبل أن تحصل عليها. صحافي مغربي مقيم بواشنطن
محمد العلمي
|
|
3017 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|