حاوره: نورالدين لشهب
قال بلال التليدي (يسار الصورة)، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية والمقرب من حزب العدالة والتنمية، بأن حزب "المصباح" يعيش تجربة الاحتكاك بدائرة القرار السياسي بتعدد مكوناتها، ويعايش المنهجية المعقدة التي يمر منها القرار السياسي قبل أن يستوي ويخرج إلى العلن، ويحتك لأول مرة بدائرة كانت في حكم الخفاء عنده، ولذلك، لا أرى فائدة -حسب رأيه في الأطروحة الجديدة التي دعا لها الحزب خلال مجلسه الوطني الأخير- في إنتاج أطروحة تتضمن أجوبة الحزب لهذه المرحلة السياسية.
ووجه التليدي نقدا لاذعا لبعض البرلمانيين في حزب العدالة والتنمية مثل عبد الله بوانو الذي يرى فيه التليدي "أوقع أضرارا سياسية بالحزب لا تخفى أبعادها السياسية وكذا إبراز غياب الانسجام داخل الجسم الحزبي".
أما عبد العزيز أفتاتي، فيقول التليدي عنه: "لا أفهم كيف يتهم أفتاتي وزيرا سابقا في المالية، وحين تقيم تصريحاته معركة سياسية وإعلامية كبيرة يقول بأنه لم يقصد مزوار، وحين تنشر إحدى الصحف الوطنية وثيقة عن مزوار، يقول بأن كلامه بعد نشر هذه الوثائق أصبح جزءا من التاريخ، كما لا أفهم كيف يتهم ما أسماه بـ"الأجهزة المعلومة".
ولم يسلم عبد اللطيف برحو من نقد التليدي ضمن الحوار الذي خص به جريدة "هسبريس" حيث رد على برحو بالقول: "الحزب أخطأ في وضع الصومعة في خلفية الصورة، وهو الآن يتحمل مسؤوليته سواء في طنجة أو مراكش، أما حكاية الصومعة واللحية، فلغو لا فائدة منه".
ودافع التليدي عن عبد الإله بنكيران، حيث قال عنه " بنكيران رجل سياسة بامتياز، ويفهم جيدا، وربما أكثر من أي قيادي آخر في العدالة والتنمية، كيف يقرأ اللحظة السياسية، وكيف يستثمرها لتحقيق مكاسب لفائدة الإصلاح الديمقراطي".
عقد حزب العدالة والتنمية مجلسه الوطني، وكان من بين أهم ما ناقشه أطروحته الجديدة، في نظركم ما المبرر للإصدار هذه الأطروحة ؟ وهل أطروحة النضال الديمقراطي استنفذت أغراضها؟
لا أخفي عليك أني لست متحمسا كثيرا لفكرة إنتاج أطروحة جديدة للحزب في هذه الظرفية السياسية. صحيح أنه قد حدثت تحولات سياسية صارت تستدعي إعادة النظر في الأطروحة السابقة، فالحزب لم يعد في موقع المعارضة، وربما أصبحت مهمة البناء الديمقراطي أكثر راهنية من مهمة النضال الديمقراطي مع الحاجة إليها أيضا، لكن هذا لا يعني بالضرورة الإقدام بهذه السرعة على إنتاج أطروحة لا ندري هل تكون الإجابات الواردة فيها قادرة على تأطير كل المرحلة، مع أن جزءا كبيرا من الإجابات المتداولة اليوم داخل الحزب، تتأسس على حيثيات ظنية غير مقطوع بها. ولذلك، فالرأي عندي، أن انتقال الحزب من المعارضة إلى قيادة الحكومة من غير مرحلة وسيطة تؤهله لفهم دائرة القرار السياسي وطريقة صناعته، تستدعي عدم التسرع في الخروج بإجابات قد نكون محتاجين مع الزمن إلى مراجعتها.
الحزب اليوم، يعيش تجربة الاحتكاك بدائرة القرار السياسي بتعدد مكوناتها، ويعايش المنهجية المعقدة التي يمر منها القرار السياسي قبل أن يستوي ويخرج إلى العلن، ويحتك لأول مرة بدائرة كانت في حكم الخفاء عنده، ولذلك، لا أرى فائدة اليوم في إنتاج أطروحة تتضمن أجوبة الحزب لهذه المرحلة السياسية.
إن ما يهم في هذه المرحلة، أن يتم التركيز على أربع نقاط إشكالية: منهجية التنزيل الديمقراطي للدستور، والأطر الناظمة للتدبير الحكومي، واستراتيجية محاربة الفساد، و حل الإشكال التنظيمي المتعلق بوظيفة الحزب وعلاقته بالحكومة. هذه هي النقاط التي كان ينبغي الانكباب على إيجاد أجوبة عنها، وكان ينبغي إطلاق نقاش حقيقي حولها بدل الارتهان إلى المقاربات التقنية...
ألم تعالج الأطروحة هذه القضايا؟
مشكلة الأطروحة أنها راحت تناقش سمات المرحلة والأدوار المطلوبة من الحزب القيام بها في ظلها، كما ولو كانت الظرفية السياسية واضحة المعالم، في حين أن المشكل قائم بالأساس حول قراءة الظرفية السياسية لاسيما وأن المؤشرات الموجودة اليوم تسمح بقراءات متعددة. ولذلك، أقدر أن الانشغال الذي كان ينبغي على الحزب أن ينكب عليه هو العناوين ألأربعة التي طرحتها من قبل، والتي جاءت الأعطاب التي نعالجها اليوم من غياب النقاش السياسي حولها.
ماذا تقصد بالأعطاب؟
المسالة ظاهرة ولا تحتاج إلى كثير بيان، فهناك خلافات كان الأجدر أن يتم الاعتكاف على بلورة رؤية بصددها، فعلى المستوى الأول، أي فيما يتعلق بمنهجية التنزيل الديمقراطي للدستور، هناك خلاف بين طرحين: طرح مبدئي يتعامل مع النص الدستوري من غير استحضار للديناميات السياسية، وطرح سياسي يقدر أن تنزيل النص الدستوري إنما يتم في إطار ديناميات سياسية يكون ناظمها الأول تعزيز الثقة مع المؤسسة الملكية. والمشكلة أنه على قدر الاختلال بين الطرحين هناك اتفاق بين الطرفين على ضرورة أن يكون عنوان المرحلة هو تعزيز الثقة مع المؤسسة الملكية.
أما على المستوى الثاني المتعلق بأطر التدبير الحكومي، فباستثناء البرنامج الحكومي الذي يشكل الإطار المرجعي للعمل الحكومي، هناك مساحات كبيرة تحتاج إلى ملأ، وهناك منهجيات مختلفة لا يحكمها أي رابط فكري أو سياسي، وأسوأ ما في بعض هذه المنهجيات أنها بدل أن تتوجه إلى ما ينبغي فعله، جعلت محور اهتمامها البحث عن الفساد، لتبرر وفاءها بالتعهدات التي قطعتها مع الرأي العام، مع أن المطلوب من العمل الحكومي هو تدبير القطاع وإيجاد حلول له، والتصدي للفساد الذي يكتشف في الطريق، لا البحث في الملفات السابقة لمجرد إقناع الرأي العام بمصداقية هذا الوزير ونزاهته. أما المستوى الثالث التعلق باستراتيجية محاربة الفساد، فهو الأهم، لأنه شكل عنوان الحزب في برنامجه الانتخابي، وعطب الأعطاب في هذه القضية، أن الحزب، بل والحكومة أيضا لم تتناقش على استراتيجية معينة لمواجهة الفساد، ولعل الخلاف الذي نشأ حول نشر لوائح المأذونيات يبين هذا العطب بوضوح. من حسن الحظ أن طريقة رئيس الحكومة في إطفاء الحرائق تخفي هذه الأعطاب، لكن هذه الطريقة لا تنجح دائما، خاصة إن كان الحزب نفسه لم يفتح نقاشا حقيقيا على الأقل بين الفريقين النيابي والحكومي للاتفاق على أرضية في هذا المجال، وفي تقديري هذا ما يبرر الارتباك الحاصل داخل الحزب على هذا المستوى.
تقصد بذلك تصريحات كل من عبد الله بوانو وعبد العزيز أفتاتي؟
عادتي ألا أدخل في مناقشة تصريحات ومواقف الأشخاص، وأن أتوجه إلى مناقشة الأفكار، لكن في مثال الأخ النائب البرلماني عبد الله بوانو، أقدر أن موقفه أوقع الحزب في حرج أكثر مما كان فيه أي كسب لصالح النضال الديمقراطي، فبغض النظر عن حسابات الأخ النائب البرلماني، فإن موقفه، على الأقل كما تم قراءته وتوظيفه سياسيا وإعلاميا، لم يحقق أي مكسب للنضال الديمقراطي، بل بالعكس من ذلك تماما، فهذا الموقف طرح إشكالا أخلاقيا يتعلق بتقديم التقرير الذي وعد به إلى السيد رئيس الحكومة وإثبات مزاعمه حول فساد بعض الولاة الذين شملتهم التعيينات، كما أوقع أضرارا سياسية بالحزب لا تخفى أبعادها ليس فقط على مستوى إبراز غياب الانسجام داخل الجسم الحزبي، وليس فقط على مستوى الثقب الذي يمكن أن يكون قد أحدثه في جدار العلاقة بين المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة، ولكن أيضا على التوجهات الكبرى الناظمة للعمل السياسي للحزب والحكومة في هذه المرحلة، وعلى المنهج الشوري الذي ترسخ عبر مسار الحركة الإسلامية.
أؤكد أن المواقف التي عبر عنها الأخ النائب البرلماني عبد الله بوانو، يمكن أن تكسبه بعض الوهج الإعلامي الذي لا يحتاجه، لكن خارج الذات، وبمعيار المنهج وشروط الالتزام التنظيمي، وبمعيار أخلاقي يتعلق بالانسجام بين الأقوال والأفعال، وبمعيار استحضار شروط إنجاح التجربة، أعتبر أن مواقف الأخ عبد الله بوانو كانت مضرة بالحزب وبالتجربة الحكومية أكثر مما كانت نافعة له.
وماذا عن النائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي الذي صرح بأن مزوار يأخذ 40 مليون من تحت الطاولة؟
قضية افتاتي مختلفة في كثير من حيثياتها عن قضية النائب البرلماني بوانو، فعلى ألأقل، فالأخ عبد العزيز أفتاتي كان يهاجم المعارضة ويدافع عن مواقف الحكومة بخصوص قضية الزيادة في المحروقات، وأورد اتهاماته في سياق محاججة رموز من المعارضة، بخلاف النائب بوانو، فقد كانت مواقفه ضدا على تعيينات اقترحها رئيس الحكومة الذي هو الأمين العام لحزبه من غير أن يستشير معه ولا أن يدرك الأبعاد التي يمكن أن تأخذها مواقفه ليس فقط عليه كنائب برلماني، ولكن على الحزب وتجربته الحكومية.
بالنسبة إلي ليس لي إلا مؤاخذتين على الأخ النائب البرلماني عبد العزيز أفتاتي، تتعلق الأولى بسلوك منهج الشورى والامتناع عن إقحام الحزب في أي معركة حتى يكون الحزب نفسه قد قرر دخولها وأعد لها عدتها، والمؤاخذة الثانية تتعلق بطريقته وأسلوبه الذي يكتنفه الغموض الذي يسمح بقدر من المناورة.
شخصيا لا أفهم كيف يتهم أفتاتي وزيرا سابقا في المالية، وحين تقيم تصريحاته معركة سياسية وإعلامية كبيرة يقول بأنه لم يقصد مزوار ، وحين تنشر إحدى الصحف الوطنية وثيقة عن مزوار، يقول بأن كلامه بعد نشر هذه الوثائق أصبح جزءا من التاريخ، كما لا أفهم كيف يتهم ما أسماه بـ"الأجهزة المعلومة" بممارسة بغض الضغوط للتغطية على مزوار ثم لا يكشف في تصريحه لإحدى الصحف الوطنية عن حقيقة ما يقصد بالأجهزة المعلومة، ثم يتنذر جوابا على بلاغ الداخلية بأنه يقصد الأجهزة الإلكترونية!
أتفهم أن يكون السيد أفتاتي وغيره منشغلا بإثارة قضية كبيرة تتعلق بالمال العام، وأتفهم أيضا أن يكون القصد السياسي من ذلك كله إنهاء عهد الصناديق الخاصة التي تعتبر بؤرة لثقافة الريع والامتيازات ومكافأة النخب، وتضمين ذلك في مشروع القانون التنظيمي للمالية الذي يعتبر من الاستحقاقات الدستورية، لكن، رسوخ الموقف في هذه القضايا وجذريته، تقتضي تسمية الأسماء بمسمياتها، فما دام الأخ النائب السيد أفتاتي يريد أن يجعل من هذه القضية قضية رأي عام، فالمفروض أن يشرك هذا الرأي العام في الحجج والإثباثات وليس فقط في المواقف والاتهامات.
من حيث المقارنة بين مواقف النائبين السيد افتاتي والسيد بوانو، على الأقل نجحت مواقف السيد أفتاتي في أن تنقل قضية الصناديق الخاصة إلى نقاش عمومي واسع، وأن تدفع فريق الحزب إلى تأطير الموقف بشكل مؤسساتي من خلال دعوة اللجنة المالية إلى الانعقاد ومطالبة وزير المالية بالإيضاحات اللازمة حول هذا الموضوع وغيره مما يتعلق بأجور وتعويضات الوزراء وكبار الموظفين في الدولة بخلاق مواقف بوانو فإنها لم بمعيار الكسب السياسي لم تجلب إلا الخسارة.
في نظركم ما علاقة إصدار المجلس الدستوري لقرار إلغاء ثلاثة مقاعد برلمانية في طنجة بهذه المواقف التي يثيرها برلمانيو العدالة والتنمية؟ وهل يتعلق الأمر بسياسة رد "الصرف؟
مع أن التوقيت مهم في قراءة القرارات، ومع أن إصدار قرارين متتابعين يهمان فقط حزب العدالة والتنمية لوحده دون بقية الأحزاب الأخرى يمكن أن يقرأ في سياقه السياسي وبخلفية سياسية، إلا أنني لا أنشغل بالقراءة السياسية لقرار المجلس الدستوري خاصة إذا انبنى على حيثيات قاطعة، والتقدير عندي أن حزب العدالة والتنمية في طنجة ومراكش ينبغي أن يكون واضحا مع نفسه وأن يقر أنه ارتكب خطأ حين جعل الصومعة التي تشير إلى رمز ديني في خلفية صورة المرشحين للبرلمان. الحيثيات واضحة وقانونية، وبدل مناقشة القرار، المفروض أن يستوعب الحزب هذا الدرس، وأن يكون عينه على الالتزام بكل المقتضيات تتضمنها النصوص القانونية حتى لا يستغل الآخرون أخطاءه.
لكن النائب البرلماني عن طنجة السيد عبد اللطيف بروحو صرح بأن قرار المجلس الدستوري مصيبة وفضيحة وأنه إذا كان المسجد رمزا دينيا فإن اللحية قد تصير نفسها رمزا دينيا؟
شخصيا لما قرأت ما نسب إليه في جريدة المساء عاتبته في لقاء المجلس الوطني، فأكد لي بأنه لم يقل ذلك، وأنه كان يتحدث عن الطاعن، فنسب الأمر للمجلس الدستوري. وعلى كل حال، فالثقافة القانونية والدستورية تلزمنا باحترام قرارات المجلس الدستوري وعدم الاعتراض عليها، وقيمنا ومبادئنا تحتم علينا الإقرار بأخطائنا، فبغض النظر عن القصد في هذه العملية، والتي أؤكد بأن الحزب منزه عنها، فإن الحزب أخطأ في وضع الصومعة في خلفية الصورة، وهو الآن يتحمل مسؤوليته سواء في طنجة أو مراكش، أما حكاية الصومعة واللحية، فلغو لا فائدة منه، فالصومعة والمصحف رمزان دينيان لا خلاف حولهما، وقرار المجلس الدستوري لا غبار عليه، ولا ينبغي أن نغطي على أخطائنا باللغو في الكلام.
لكن، لماذا لا ترفضون قراءة الخلفيات السياسية للقرارين، ولماذا لا نقول بأن جهة ما تريد رد "الصرف" إلى الحزب، وبعث رسالة إلى الأمين العام بضرورة التحكم في أعضاء حزبه وخاصة برلمانييه؟
حين يرتكب الحزب أخطاء، ينبغي أن يعترف بها وألا يغطي عليها بافتعال الخلفيات السياسية ولو افترضنا وجودها، الخلفيات السياسية لا تستحضر إلا عندما تغيب الحيثيات. إنك لا تستطيع أن تتهم حكما بمحاباة فريق كرة قدم على حساب الآخر، إذا ارتكب الفريق المغلوب أخطاء استوجبت أن يتقدم عليه الفريق الذي اتهم الحكم بمحاباته. فبدل طرح الخلفيات السياسية للنقاش، ينبغي ابتلاع القرار، وتحصين الممارسة السياسية للحزب حتى لا يدخل الريح من بين الشقوق.
ولماذا لا تتدخل القيادة في مثل هذه القضايا وتحسم الموقف وتطلب من الكتابات الإقليمية الانضباط إلى موقف الحزب كما هو الشأن في تجارب الأحزاب الأخرى؟
ربما كان من أسوأ ما ورثه حزب العدالة والتنمية هو الفهم الخاطئ لقضية الحرية داخل التنظيم، وقد كان الدكتور سعد الدين العثماني لما كان أمينا عاما للحزب يتعايش مع الخلافات التي تنشأ داخل التنظيم بالتذرع بهذه الحرية وكونه لا يستطيع أن يحجر على الناس في مواقفهم، وقد تسبب هذا الموقف في العديد من الإشكالات حتى بات المكانان الوحيدان الذي تتوحد فيه المواقف هو المجلس الوطني ومؤتمر الحزب، وما عدا ذلك، صار كل واحد يعبر عن رأيه حتى في القضايا الاستراتيجية، ومن ذلك قضية المشاركة في الحكومة، إذ كانت الخرجات الإعلامية الفردية لبعض الرموز تحدد مستقبل الحزب دون أن يكون المجلس الوطني أو المؤتمر قد حدد ذلك، والجميع يتذكر بهذا الخصوص موقف الحزب من المشاركة في الحكومة والمشهور بـ"لسنا معنيين" والذي لم يكن إلا ثمرة لمواقف فردية تم تصريفها إعلاميا وحكمت على الحزب أن يكون خارج المطلوبين للتحالف الحكومي.
لكن أسلوب بنكيران مختلف عن أسلوب العثماني، وقد انتقد في المجلس الوطني بشكل ضمني مواقف بعض البرلمانيين ، وقال إنه لا يستطيع أن يواجه الكرات التي تأتي من الخارج والكرات التي تأتي من الداخل والتي سماها بـ"الكرط"؟
لقد كنت واضحا في إحدى لقاءات اللجنة التحضيرية للمؤتمر مع اللجنة السياسية للحزب، وكان ذلك بحضور الأمين العام للحزب، حين قلت بأن مرحلة قيادة الحكومة هي غير مرحلة المعارضة، وأنه يتوجب علينا الاشتغال على بناء خطاب واحد بخصوص نظريتنا في الإصلاح، فقد أثمر الفهم السيء للحرية ببروز زعماء كثر في الحزب، ينتجون المواقف ولا يدرون أنهم يقحمون الحزب في معارك لم يخطط لها، وربما يربكون تجربته الحكومية ويعرضون المشاريع الإصلاحية إلى النكوص. في السياسة، لا تستطيع أن تقنع الأطراف الأخرى أن مواقف البعض إنما تلزمهم كأفراد، فهناك دائما مواقف تقرأ ما يحدث على أنه تبادل أدوار، فكيف يمكن أن نقنع الأحزاب السياسية وبقية الفاعلين السياسيين أن مواقف بوانو لم تكن بإيعاز من بنكيران؟
وما الذي يمنع أن تكون كذلك؟
من حسن الحظ أن الجميع أصبح يعرف شخصية بنكيران، وأنها تتسم بالوضوح والعفوية، ومن حسن الحظ أنه لا يترك أبدا الفرصة تمر دون أن يعبر عن مواقفه اتجاه خرجات أعضاء حزبه من البرلمانيين أو من قياديي الحزب، وإلا لم يكن هناك من داع، ليجعل كلمته في المجلس الوطني تدور كلها حول القيم التي تربى عليها الحزب وحول ضرورة التثبت قبل إصدار الاتهامات وحول قضية التشاور وعدم إرباك العمل الحكومي بمواقف غير مدروسة.
لكن البعض من أعضاء الحزب وبرلمانييه يتهمون بنكيران ولو ضمنا بكونه يتنازل عن صلاحياته الدستورية، وأن همه الأساسي هو تعزيز الثقة مع المؤسسة الملكية ولو كان ذلك على حساب التنزيل الديمقراطي للدستور؟
لست معنيا بالدفاع عن رئيس الحكومة، فربما كان ألأقدر على الدفاع عن نفسه، لكنني مقتنع أشد ما يكون الاقتناع أن الدستور ليس مجرد نص مكتوب في الورق، وإنما هو ديناميات سياسية تشتغل على الأرض، فالنص الدستوري على سبيل المثال، يبين الحدود الفاصلة في الصلاحيات بين الملك ورئيس الحكومة على مستوى تشكيل الحكومة، لكنه لا يتحدث ولو بحرف واحد عن المسافة الفاصلة بين الاقتراح والتعيين، والتي لا تملؤها إلا الدينامية السياسية. بنكيران رجل سياسة بامتياز، ويفهم جيدا، وربما أكثر من أي قيادي آخر في العدالة والتنمية، كيف يقرأ اللحظة السياسية، وكيف يستثمرها لتحقيق مكاسب لفائدة الإصلاح الديمقراطي. لقد رافقت بنكيران كثير من التهم مثل هذه، لكن في لحظة الربيع العربي، شاهدت قيادات الحزب وأعضاؤه شخصا آخر لم يعهدوه في شخصية بنكيران، لقد يقنوا أنهم كانوا مخطئين تماما في قراءة الرجل، فبنكيران كما عرفته يعرف كيف ينحني للعاصفة، ويعرف كيف يقرأ اللحظة السياسية، وكيف يجعل حزبه يتقدم. في عقل بنكيران السياسي قناعة لا يمكن أن يغيرها أحد، وهي أن الملكية في المغرب صمام أمان الاستقرار والإصلاح معا، وأن أي إصلاح لا يمكن أن يكون من غير دعمها. التدافع اليوم مع النخب التي تؤثر في صناعة القرار السياسي، ومع النخب المتنفذة التي تفتعل الجبهات لإيقاف الإصلاح وفرملته. هكذا يفهم بنكيران السياسة في المغرب، وهذه هي التماسيح والعفاريت التي يتحدث عنها.
آخر سؤال لو سمحت أخ بلال.. أثارت الصحافة مؤخرا قضية وزير التجارة عبد القادر عمارة وفاتورة العشاء التي بلغت عشرة آلاف درهم والشاماباينا التي سجلت على حساب غرفته في الفندق، ما رأيك؟
شخصيا قرأت ذلك في إحدى المجلات، ولم أطمئن لذلك، فالطريقة التي كتب بها المقال مغرضة ولا تمت بصلة إلى العمل الصحفي المهني الذي يتطلب عدم نشر هذه الاتهامات حتى أخذ رأي المعني بها.
السيد الوزير عبد القادر عمارة منزه عندنا من أقل من ذلك، ومجرد تورطي في الدفاع عنه، يعتبر مسايرة لهذه الاتهامات. آمل، أن يوضح السيد الوزير حقيقة هذه الفاتورة، وأن يكشف للرأي العام ما جرى، وأن يتخذ الإجراءات اللازمة التي تحافظ على كرامته واعتبار شخصيته.
عن هيسبريس