بقلم بليبط رضوان: 21 6 2012
canari7701@hotmail.com
السيميائيات:الموضوع والمنهج:
كثيرا ما يسأل طلاب الجامعة بعضهم عن السيميائيات،موضوعها أو منهجها؛فيكون الجواب متقشفا يبتسر موضوع هذا العلم في دراسة العلامات،ثم يسكت السائل و المجيب عن الكلام المباح.علم متشعب تتلاقى على أرضه حقول معرفية شتى يتم اختصاره في جملة لا أكثر،نفس السؤال طرحته على نفسي بقلق أمام هذا الزخم من التعاريف المتداولة في حقل النقد الحديث،ماهي هذه السيميائيات التي تتداول على الألسن بشدة؟بماذا تعنى؟ هل الأمر يتعلق بعلم مستقل أم أنها مجرد منهج علمي؟
كثيرة هي الأعمال النقدية التي تحملت بشجاعة جسامة مسؤولية المغامرة في التعريف؛لما يكتنفه الأمر من مشاق و مخاطر و مزالق،وسنحاول هاهنا اقتراح بعض التعاريف المبسطة التي من شأنها إغناء رصيد الطالب الجامعي في السنوات الجامعية الأولى؛متمنين ألا نقع في خطيئة التبسيط التي" لا تغتفر".ولن ندع أننا نقدم بذلك إجابات نهائية جامعة مانعة؛وإنما نقول كما قال محمد مفتاح بذكاء مراوغ على لسان أبي حنيفة"هذا الذي نحن فيه رأي لا نجبر أحدا عليه ولا نقول يجب على أحد قبوله بكراهية" (1 )
يذهب روبرت شولز إلى أن السيمياء"غالبا ما تعرف بأنها دراسة
و يعني: العلامة ) semeion الإشارات (والمشثقة من جذر يوناني هو
هي دراسة الشفرات أي الأنظمة التي تمكن الكائنات البشرية من فهم بعض الأحداث أو الوحدات بوصفها علامات تحمل معنى.وهذه الأنظمة هي نفسها أجزاء أو نواح من الثقافة الإنسانية" (2 ).فالسيميوطيقا إذاً" من
الذي يعني علامة semeion الأصل اليوناني
) أو العلم، الذي يعني خطاب (... logos و
فالسيميولوجيا هي علم العلامات" . (3 ) وبالرغم من أن الخلاف حاد بين من ذهبوا إلى أن اللسانيات ليست سوى فرع من السيميولوجيا العامة ،وأولئك الذين ارتأوا أن اللسانيات هي الأصل بينما السيميولوجيا لا تعدو أن تكون فرعا من فروع الألسنية (نقصد بالاتجاه الأول دي سوسير وأضرابه،وبالتوجه الثاني رولان بارت ومن لف لفه )،فإننا لن نخوض في ذلك هاهنا وسنكتفي بالقول إن السيميائيات هي ذلك العلم الذي يبحث في جميع الأنظمة و الأنساق العلاماتية،سواء كانت لغوية،إشارية،أيقونية أم رمزية وحركية وإيمائية...
لقد غيرت السيميائيات سبل قراءة النصوص الأدبية،وطرائق التفكير فيها،منطلقة من تبئير القراءة على النصوص من الداخل بغية البحث"عن مولدات النصوص و تكوناتها البنيوية الداخلية،كما تبحث عن أسباب التعدد، ولا نهائية الخطابات و النصوص والبرامج السردية،وتسعى إلى اكتشاف البنيات العميقة الثابتة...التي تكون وراء سبب اختلاف النصوص والجمل" ( 4 ) .فالسيميائيات تعنى بتحليل كل أنواع الخطابات،منطلقة من التحليل البنيوي المحايث،ولعل هذه هي المبادئ الأساسية في منهج السيميائي؛ونبسطها على الشكل الآتي:
1 التحليل المحايث:
يعتبر سعيد بنكراد التحليل المحايث من إرث البنيوية ويقصد به"أن النص لا ينظر إليه إلا في ذاته مفصولا عن أي شيء يوجد خارجه. والمحايثة بهذا المعنى هي عزل النص والتخلص من كل السياقات المحيطة به. فالمعنى ينتجه نص مستقل بذاته ويمتلك دلالاته في انفصال عن أي شيء آخر". (5 )
2 التحليل البنيوي:
تعتمد السيميائيات المنهج البنيوي؛ونحن ندرك أن هذا المنهج ينظر إلى النص في ذاته ومن أجل ذاته،ويبحث عن أدبية النص.وتستمد السيميائيات معظم مصطلحاتها من الشبكة المصطلحية للبنيوية؛من قبل السانكرونية أو الآنية،النسق،البنية ونظام العلاقات القائم على الاختلافات...
3 تحليل الخطاب:
تتجاوز السيميائيات اللسانيات البنيوية أو الجملية،لتبحث في الأنماط الخطابية بكل أنواعها،ولتبئر القراءة على التجليات النصية؛لذلك نجد السيميائيات تدرس الرواية،الشعر ،السرد بجميع أنواعه؛ العنوان ،الفضاء،الزمن،الشخصيات،الشكل الكرافيكي وعلاقته بالمتن،الأيقونات،التناص،الرسم،الأعمال المسرحية،السينما وكل أشكال الفن...إن البحث السيميائي على هذا الأساس "يغطي مساحات واسعة من الممارسات الثقافية؛فهو يضم العلامات البصرية،بالإضافة إلى العلامات اللفظية،ويمتد من التحليل التخصصي للنص الأدبي،إلى النظرفي تنويعة واسعة من الظواهر الدلالية" (6 ) .
واضح إذا أن السيميائيات تعنى بمختلف أشكال العلامات الثقافية؛فهي لا تقف عند أبواب العلامات اللغوية،بقدرما تسعى إلى البحث في شيفرة الخطابات و النصوص التي تبطٌن أكثر مما تبين.
هوامش:
(1 ) محمد مفتاح تحليل الخطاب الشعري استراتيجية التناص،المركز الثقافي العربي الدار البيضاء،ط1 ،1985 ،ص5 .
" (2 )روبرت شولز،السيمياء والتأويل،ترجمة سعيد الغانمي،المؤسسة العربية للدراسات و النشر بيروت،ط1،1994 ، ص 1314 .
(3 )برنار توسان،ما هي السيميولوجيا،نقلا عن فيصل الأحمر، معجم السيميائيات، منشورات الاختلاف،ط1،2010، ص11 12 بتصرف.
( 4 )جميل حمداوي، السيميوطيقا و العنونة،مجلة عالم الفكر،المجلد 25 ،العدد3 ،1997 ،المجلس الوطني للثقافة و الفنون والآدابالكويت ص 89 .
(5 )www.saidbengrad.free.fr
(6 ) رامان سلدن،موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي (ج8 )،العدد1045، من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية، الفصل الرابع:السيميوطيقا، إشراف عام على الترجمة جابر عصفور،المجلس الأعلى للثقافة القاهرة،ط1 ،2006،ص 143 .
يتبع إن شاء الله